الجزائر: التخاطب بالألوان للتمييز أو الغزل

18 ديسمبر 2022
يستخدم جزائريون عبارة "نيغرو" للدلالة على المهاجرين الأفارقة (مصعب الرويبي/ الأناضول)
+ الخط -

تتميز لغة الشارع الجزائري بالكثير من التوصيفات الشخصية التي ترتكز على اللون، كلون البشرة، أو لون العيون، أو لون الشعر وطبيعته. وتتخذ هذه التوصيفات التي تلتصق بأصحابها مضامين مختلفة، بين التمييز والتهكم أو التنمر، وتخلف الكثير من الألم النفسي. 
لأن عينيه زرقاوين، يطلق على الحاج إبراهيم، وهو من قرية صغيرة تعرف باسم ماريانو بولاية تيبازة (غرب الجزائر العاصمة) "زرق عينو". ورافقه هذا الاسم حتى وفاته قبل سنوات قليلة. لا يعرف ابنه عبد القادر، وهو موظف في قسم الضمان الاجتماعي، متى أطلق هذا الاسم على والده، كما يقول لـ"العربي الجديد". لكنه يشير إلى أن وجود رجل أزرق العينين في تلك المنطقة لم يكن أمراً معتاداً. فكان هذا الوصف استناداً إلى سمته الأبرز، وصار اسمه كذلك لعقود زمنية. ويشير إلى أن "والدي أو أياً من أفراد عائلته لم ينزعجوا من هذا الوصف الذي لا يحمل أي معنى مسيء".  

بخلاف ذلك، وفي منطقة سيدي لعجال بولاية الجلفة غربيّ الجزائر، ما زال السي عمار (60 عاماً) يحمل اسم "الكحلوش" (صاحب البشرة السوداء). وغالباً ما يطلق هذا الوصف على الشخص ذي البشرة السوداء حين يولد أو يعيش في منطقة بشرة سكانها بيضاء. لا يعلم سي عمار كيف ومتى التصقت به صفة "الكحلوش"، وظلّ لسنوات طويلة لا يفهم كيف تحولت هذه الصفة إلى اسم له. يقول لـ"العربي الجديد": "الجميع هنا ينادونني الكحلوش. تناسوا مع مرور الوقت اسمي الحقيقي. في البداية، لم يكن الاسم يعني لي شيئاً، لكن مع مرور الوقت، التصقت الصفة التي ترمز إلى لون بشرتي بي، بدلاً من اسمي عمار. عشت أياماً صعبة، وقد آلمني الوصف. لكنني تصالحت مع الأمر".  
في العديد من المدن الجزائرية، كثيراً ما يرمز إلى الأشخاص من خلال اللون، سواء لمناداتهم في الشارع أو في جلسات العائلة أو الأصحاب. وكثيراً ما يُنعت الشخص بأكثر ما يميزه لناحية اللون.
ونتيجة للهجرة السرية إلى البلاد من بلدان أفريقية، يستخدم الناس عبارة "النيغرو"، وتُشار إلى الأشخاص الذين يعتبرون من أصل أفريقي أسود. وغالباً ما تُطلق على المهاجرين القادمين من دول الساحل الأفريقي نحو الجنوب الجزائري، ومنه ينتقلون جماعات نحو مدن الشمال. وتحمل الكلمة في الوقت نفسه معنى آخر، وهي "لُونِيغْرْ"، أي الشخص الذي يستأجر جهده للآخر بالساعة. وبمعنى آخر، يعمل من دون حدود ويحرث الأرض ويعمل في أعمال شاقة، ويستعمل الجزائريون هذه الكلمة عندما يشرحون كمية التعب وحجم المشقة التي طاولتهم بسبب العمل المضني، كالقول على سبيل المثال: عملت كثيراً مثل النيغرو".
تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة قسنطينة شرقيّ الجزائر، كريمة لونيسي، إن استخدام اللون للدلالة على الأشخاص في لغة الشارع يتخذ في بعض الأحيان معنى سلبياً حين يخرج من نطاق الاسم إلى نطاق الصفة، لتصبح كلمات مثل "الكحلوش" أو "النيغرو" عبارة عن ذمّ لمن تطلق عليه وتؤذي مشاعره، وخصوصاً أنها تعكس تمييزاً بحقه. وتقول لـ"العربي الجديد": "المثير في الموضوع أن الجزائر بلد متنوع لناحية لون البشرة. بين الشمال والجنوب والصحراء فضاء جغرافي واسع، ونجد الشخص الأبيض والأسمر والأسود أيضاً، لكن الصفات السابقة المرتبطة باللون أحياناً تُصبح صفة للذم، وفي بعض الأحيان تمثل حالة إنكار غير واعية لوجود هذا التنوّع بين الجزائريين. لذلك، تحمل تلك الكلمات وغيرها الكثير مما يمكن تسميته خِطاب الهوامش الذي يسبب صدمة نفسية لكثيرين". 

الصورة
يستخدم الجزائريون عبارات معينة للدلالة على جمال المرأة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
يستخدم الجزائريون عبارات معينة للدلالة على جمال المرأة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وفي الكثير من الأحياء الشعبية الجزائرية، يستخدم الشباب كلمة "لسمر" وتعني "الأسمر"، وهي وإن كانت على صلة بالسياقات السابقة في اللون، فإنها تحمل معنىً جمالياً. كذلك تستخدم كلمة "الرُّوجِي" (أي الأشخاص الذين تميل بشرتهم أو لون شعرهم إلى الأحمرار)، ويعتقد أن هذا التوصيف مرتبط بالشبه الكبير في اللون بين هؤلاء ونوع من السمك يحمل الاسم نفسه.  
إلى ذلك، كثيراً ما يستخدم الناس عبارة "كذبة بيضاء"، وتعني الكذبة التي لا يقصد بها الإيذاء أو المعنى السلبي للكذب. وتأخذ بعض دلالات الخطاب الشعبي في الشارع الجزائري توصيفاً لفترة معينة، كأن يقال عن اليوم الحار الذي تكون فيه درجة الحرارة مرتفعة "نهار أحمر". كذلك يمكن أن يستخدم اللون في توصيف حالة من المرض أو الإرهاق، كأن يقال: "وجهك مُصفر"، ويعني ذلك وجود علامات إما للمرض أو الإرهاق، وتحمل هذه الكلمة معنى وجود علامات للخوف. وكانت الجدات والأمهات في الجزائر يستخدمن كلمة "يصفر وجهك" كنوع من الشتيمة والدعاء السلبي، حين يأتي أحدهم شيئاً لا يروق الأمهات، وتدخل في السياق كلمة أخرى تدل على النفاق الاجتماعي، كأن يقول أحدهم عن ضحك شخص ما إنها "ضحكة صفراء"، أي ضحكة منافقة وغير نابعة من القلب.  
ويحمل غناء "الراي" الشعبي في الجزائر مزيداً من التوصيفات والتسميات التي تعتمد أساساً على اللون، لكنها ذات منحى جمالي ورومانسي، ويستخدم اللون للغزل بالمرأة وجمالها بحسب لونها أو لون عينيها واختياراتها للملابس، فقد يكون لون البشرة عنواناً للجمال، فيطلق على جمال الأنثى في بعض الأحياء الجزائرية مثل "الزرقاء" وتعني الجميلة بإضافة نقطة إلى حرف القاف وتنطق بتغليظ القاف. فهي بالنسبة إلى الشباب عنوان لمن لديها عينان زرقاوان، ولكن توسّع الاستعمال ليشمل الجميلات من الشابات وبمختلف ألوان العينين بحسب اللباس الذي ترتديه الفتاة، وهو المعنى نفسه حين يُتغزَّل بامرأة باسم "البيضاء"، وخصوصاً منذ صدور أغنية شهيرة لمغني الراي الراحل الشاب حسني عن فتاتين من حبيباته يغيظ بينهما باللون. يقول: "الزرقاء مونامور (حبيبتي)، نديها بلا سحور، اسمحلي يالزرقاء".

ويقول الباحث في الخطاب الشعبي نور الدين بوصالح لـ"العربي الجديد": "الملاحظ أن توظيف الألوان في وصف الأفراد أو الأشياء في المجتمع الجزائري زاد، وصارت له دلالات كثيرة، إذ تتقمص الألوان بدورها الأفكار وتعدّدها وما لا يمكن التعبير عنه بلغة فصيحة أو بلغة صريحة، أن ذلك يعكس الدلالات الجمالية والاجتماعية والنفسية والرمزية التي تخفيها تلك الكلمات بجمالها وقبحها وبإيجابيتها وسلبيتها". يضيف: "ما يلاحظ في الخطاب اليومي أن هذه الصفات الملوّنة تنطق بلغة فرنسية ركيكة أو تعريب لكلمات فرنسية، وجميعها تؤدي المعنى المراد له، من محامِل تعبيرية تدل على ذمّ أكثر، وعكس ذلك نجد استعمالاً واسعاً لكلمات تعتمد اللون، لكنها تدل على معانٍ جميلة".

المساهمون