المحكمة الخاصة بالعنف الأسري "مؤجّلة" في فرنسا

09 أكتوبر 2022
"أبي قتل أمّي" في تحرّك سابق مناهض للعنف الأسري في فرنسا (ألان بيتون/ Getty)
+ الخط -

تتّسع في فرنسا ومقاطعة كيبيك الكندية وإسبانيا دائرة مؤيّدي فكرة إيجاد سبل قضائية خاصة للتعاطي مع العنف الأسري، بهدف التصدّي بشكل أفضل لقضايا تُعَدّ مأساوية. ويرتكز هذا المسار على فكرة بسيطة تتمثّل في إقامة محاكمات خاصة لأنواع العنف الخاصة.

يقول قاضي الأحداث السابق إدوار دوران، في بوبينيي بضواحي باريس، والمتخصّص في موضوع العنف الأسري، لوكالة فرانس برس إنّ "العنف ضدّ المرأة ليس من اختصاص القانون العام". من جهتها، تقول المحامية ميشيل دايان التي تناضل جمعيتها "لوييرز فور ويمن" (محامون من أجل النساء) بهدف استحداث نيابات عامة متخصّصة في المحاكم الكبرى من خلال استنساخ ما هو قائم أصلاً في الجرائم المالية، إنّ "ممارسة شخص ما العنف في أيّ مكان عام ليس مماثلاً لضربه زوجته". تضيف دايان أنّ "ثمّة عدداً كبيراً من القضايا لم تُستكمل قضائياً لعدم توفّر الأدلة أو العناصر الجرمية الكافية، وهو ما ينطوي على سخافة"، مشيرة إلى أنّه "لو توفّرت محكمة متخصصة لكانت غاصت في تفاصيل الملف".

وبعد خمسة أعوام على إطلاق حركة "مي تو"، أنشأت مقاطعة كيبيك الكندية الناطقة بالفرنسية المحكمة الأولى في العالم المتخصّصة في قضايا العنف الجنسي وكذلك الأسري. وتوفّر هذه المحكمة موارد مالية ومزيداً من المدّعين العامين المتخصّصين في هذه القضايا، بالإضافة إلى تدريب القضاة والشرطة ومساعدة الضحايا طيلة فترة المحاكمة، وإعادة تنظيم قاعات المحاكم. وقال وزير العدل في كيبيك سيمون جولان-باريت في تصريح أخير لوكالة فرانس برس: "إنّها رسالة ذات تأثير قوي وفكرة جماعية نرغب في إيصالها: لا مكان لهذه الجرائم في مجتمعنا".

وفي فرنسا، ليست السلطة التنفيذية بعيدة عن الجدال القائم في شأن هذا الموضوع، خصوصاً مع ازدياد الدعاوى القضائية عقب حركة "مي تو" (بلغت الزيادة 10 في المائة بين عامَي 2019 و2020 من دون احتساب قضايا قتل النساء). وقد شدّدت وزيرة شؤون المساواة بين الجنسَين إيزابيل روم أخيراً على أنّه لا بدّ لهذه الجرائم أن تخضع لـ"محاكمة خاصة"، كذلك لا بدّ للجنة برلمانية أن تبدأ في دراسة هذا الموضوع بناءً على طلب من رئيسة الوزراء إليزابيت بورن.

وفي مدن رانس (شمال شرق) ورين وشارتر (غرب) الفرنسية، بدأت تُعقَد محاكم مخصّصة لقضايا العنف الأسري يشارك فيها القضاة والمدّعون العامون أنفسهم. ويقول صاحب المبادرة مدّعي رانس العام ماتيو بوريت لوكالة فرانس برس إنّ هذه الخطوة "تتيح تعزيز كفاءة الحقوقيين وتقييم الحالات وتكوين اجتهادات قانونية".

وبالنسبة إلى مروّجي فكرة إنشاء المحكمة الخاصة، فإنّ هذا التخصّص سوف يتيح كذلك استخدام مزيد من أدوات الوقاية الجديدة. وبعد إقرارها في عام 2020، استغرقت أساور مكافحة التحرّش وقتاً لتصير مستخدمة بصورة كبيرة. وحتى اليوم، فُعّل 860 سواراً من أصل ألف سوار موضوعة في تصرّف القضاءَين المدني والجزائي.

ويطاول هذا الجدل التسلسل القضائي بأكمله، بدءاً من المباشرة بالدعاوى أو عدمها (على مستوى النيابة العامة)، وصولاً إلى مرحلة النطق بالحكم ثمّ "المتابعة التي تلي الحكم" (تطبيق الأحكام والدعم الاجتماعي وكذلك القضائي).

ويقول القاضي دوران: "ما يشهد تغييراً هو أنّ كلّ شخص بدأ يدرك أنّ المعاملة القضائية المناسبة لقضايا العنف الأسري تتطلب التخصّص نفسه كما الحال بالنسبة إلى القانون الاقتصادي والمالي، لأنّ هذه القضايا تنطوي على جوانب عدّة". ويصعب تالياً الفصل ما بين أعمال العنف و"المفاعيل الناجمة عنها"، فالمشكلات المرتبطة باحتمال انفصال الزوجَين هي من اختصاص قاضي شؤون الأسرة، أمّا حماية الأطفال فهي من اختصاص قاضي الأحداث.

هل ينبغي إذاً إنشاء محاكم خاصة أو تعيين قضاة متخصصين في قضايا العنف الأسري؟ ترى نائبة رئيس اتحاد القضاة، قاضية الأطفال السابقة سيسيل ماملان أنّ هذه الفكرة "تحمل خطر إعطاء أولوية لنزاع على حساب آخر". ويشير مدعي رانس العام من جهته إلى "خطر يتمثل في أنّ المحاكم التي لن تضطر بعد ذلك إلى التعامل مع هذه المسألة سوف تهمل الآثار الجانبية الناتجة من العنف الأسري"، مبدياً تأييده لنظر المحكمة نفسها في جوانب (المدنية والجزائية) القضية الأخرى.

(فرانس برس)

المساهمون