حكومة نتنياهو تعمّق الصدع المجتمعي

حكومة نتنياهو تعمّق الصدع المجتمعي

21 ديسمبر 2022
+ الخط -

ترى حركة الاحتجاج التي تتوسع ضد حكومة بنيامين نتنياهو أنّ نفوذ الأحزاب الدينية المتطرفة في إسرائيل التي تشارك في الحكومة سيؤثر على كثير من مناحي الحياة، وتدعو إلى التصدي للمزايا الاقتصادية التي حصل عليها التيار الديني الحريدي، والذي لا يساهم أتباعه في الجهد الحربي، أو في سوق العمل.
اتسم الخطاب الذي تعكف عليه حركة الاحتجاج التي تضم قوى مجتمعية ونخباً سياسية مؤثرة بتوجهين رئيسيين، وهما: الدعوة إلى عصيان مدني شامل لإرغام الحكومة على التراجع عن نيتها تبني سياسات اجتماعية تتوافق مع إملاءات التيار الحريدي، والتحذير من إمكانية اندلاع حرب أهلية في حال لم تمكن مراجعة توجهات الحكومة القادمة.

وكانت أكثر المسوغات التي أججت حركة الاحتجاج هي تلك المتعلقة بـ"الإصلاحات" التي تنوي القوى الدينية إدخالها على المنظومة التعليمية، والتي تقوم على إلزام طلاب المدارس العلمانية بتعلم التراث الديني، وإعادة النظر في البرامج التعليمية بحجة أنها لا تتسق مع متطلبات تعزيز الشعور بالهوية اليهودية.
وكشفت قناة "12" أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وافق على طلب حركة "يهدوت هتوراة" الدينية الحريدية بفرض تعليم "التلمود" على المدارس التي يؤمها الطلاب العلمانيون، والتراجع عن تعديلات أدخلتها الحكومة السابقة على متطلبات الحصول على الثانوية العامة لتحسين قدرة أتباع التيار الحريدي على الحصول على هذه الشهادة.
إلى جانب ذلك، أعلن آفي معوز، زعيم حزب "نوعم" الديني، والذي سيرأس إدارة مهمتها الإشراف على البرامج غير المنهاجية في وزارة التعليم، أنه سيعكف على فرض برامج تعليمية خاصة تهدف إلى تعزيز مركبات الهوية اليهودية لدى الطلاب، لا سيما العلمانيين منهم، وإعادة النظر في 3000 برنامج تعليمي بزعم أنّ دولاً ومنظمات أجنبية تدخلت لفرضها.
وضمن القضايا التي وعد نتنياهو بدراستها طلب التيار الديني الفصل بين الجنسين في المؤسسات الأكاديمية التي يدرس فيها المتدينون. وذكرت صحيفة يسرائيل هيوم أنّ الحركات الدينية المشاركة في الحكومة القادمة، سواء المحسوبة على التيار الحريدي، أو تلك المحسوبة على التيار الديني الصهيوني، طالبت حزب الليكود بتضمين البرنامج العام للحكومة مواد تؤطر الفصل بين الجنسين.
وفي مواجهة ما يوصف بأنّه "إصلاحات" تنوي الأحزاب الدينية فرضها على النظام التعليمي، كشف عشرات من رؤساء البلديات في إسرائيل عن تحرك مضاد يهدف إلى محاولة إفشالها، وعلى رأسهم رون خولدائي، رئيس بلدية تل أبيب، أكبر المدن في إسرائيل من حيث تعداد السكان، والتي توصف بأنّها "مهد العلمانية" الإسرائيلية، والذي أكد أن رؤساء البلديات سيستغلون الصلاحيات الممنوحة لهم لطرح برامج تعليمية لتقليص تأثير البرامج التي ينوي المتدينون فرضها.
لكن على الرغم من أنّ الصلاحيات التي يحوزها رؤساء البلديات تمكنهم من التأثير على مضامين مناهج التعليم، إلا أنه ليس بوسعهم إلغاء البرامج التي سيفرضها التيار الديني. إلى جانب ذلك، فإن تولي زعيم حركة "شاس" الدينية الحريدية، الحاخام آرييه درعي، وزارة الداخلية المسؤولة عن الحكم المحلي، سيضع المزيد من العقبات أمام رؤساء البلديات العلمانيين، إذ يلعب دوراً مهماً في تحديد قيمة الموازنات المخصصة للبلديات.

الصورة
يخشى العلمانيون من سطوة الأحزاب الدينية على حكومة نتنياهو (مصطفى الخروف/الأناضول)
يخشى علمانيون من نفوذ الحريديم بحكومة نتنياهو (مصطفى الخروف/الأناضول)

لكن الجبهة التي فتحها التيار الديني في سعيه للتأثير على توجهات المجتمع مستغلاً نفوذه في الحكومة القادمة تتجاوز التعليم، فقد أعلن معوز، وبعض قادة حركة "الصهيونية الدينية"، ثاني أكبر تجمع حزبي في الحكومة الجديدة، رفضهم السماح للنساء بالخدمة العسكرية في الجيش، وتحديداً في الوحدات القتالية.
ومن بين ما أثار حفيظة القوى الاجتماعية العلمانية أنّ الحكومة القادمة ستكرس عدم المساواة بين العلمانيين والمتدينين. إذ ذكرت قناة "كان" الرسمية أن نتنياهو وافق على تحسين قدرة أتباع التيار الديني على الحصول على وظائف في القطاع العام والمؤسسات الحكومية من خلال إعفائهم من شرط الحصول على اللقب الأكاديمي الأول، وهو الشرط الذي ما زال على العلمانيين الوفاء به من أجل التنافس على وظائف القطاع العام.
وفاقم الأمور تعقيداً أن نتنياهو أبدى استعداداً لتكبيد خزانة الدولة نفقات هائلة مقابل تلبية مطالب للتيار الحريدي، مثل مطالبتهم بالحصول على "الكهرباء الحلال" في أيام السبت. وحسب قناة "12"، فإنه من أجل توفير "الكهرباء الحلال" فإنّ الحريديم يطالبون بوقف إنتاج الكهرباء في أيام السبت، والاستعاضة عن ذلك بتخزينها في مرافق ضخمة، ومد التجمعات السكانية الحريدية بها.
وفي مقابلة مع صحيفة معاريف، قدر وزير المالية في الحكومة المنتهية ولايتها أفيغدور ليبرمان قيمة كلفة إنتاج "الكهرباء الحلال" بنحو 100 مليار شيكل (نحو 29 مليار دولار).
كما نجحت الأحزاب الحريدية في إلزام الحكومة بخطوات إضافية لتقليص سياسة "لم شمل" بعض العائلات اليهودية بأقاربها الذين يعيشون في الخارج، إذ منح قانون "العودة" حفيد اليهودي الذي يعيش في إسرائيل، حتى وإن كان هذا الحفيد لم يولد لأم يهودية، حق الهجرة إلى إسرائيل، وتضغط الأحزاب الحريدية على نتنياهو لتعديل القانون، إذ يمنع الحفيد الذي لم يولد لأم يهودية من الهجرة.
وفي مواجهة تداعيات الاتفاقات الائتلافية التي تقلص الفضاء العام أمام العلمانيين، انتظمت مجموعات وازنة في حركة احتجاج تتعاظم ضد سلوك الحكومة. وفي سابقة هي الأولى من نوعها، شارك رئيس الحكومة المنتهية ولايتها يئير لبيد في إحدى المظاهرات التي نظمت للاحتجاج على سياسات الحكومة القادمة.
وفي مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت، دعا رئيس أركان الجيش السابق غادي إيزنكوت إلى خروج مليون متظاهر ضد الحكومة لمنعها من فرض الأجندات الدينية والرؤى الفقهية اليهودية المتطرفة على توجهات المجتمع.

لكن هناك من يرى أن اعتماد أنماط حركات الاحتجاج السابقة التي تقوم على التظاهر لن تجدي نفعاً، وأنه يتوجب تصعيد الردود الاجتماعية على الحكومة المقبلة. ففي مقابلة مع إذاعة الجيش، قال نائب رئيس أركان الجيش السابق يئير غولان إنه لا مفر من تنظيم عصيان مدني شامل لإبلاغ نتنياهو وشركائه بأن المجتمع الإسرائيلي لن يقبل نمط الإكراه الذي تمارسه القوى الدينية.
من ناحيته، كان رئيس أركان الجيش السابق دان حالوتس أكثر تشاؤماً إزاء قدرة حركة الاحتجاج الاجتماعية على ردع الحكومة القادمة عن فرض توجهات التيار الديني، إذ توقع في مقابلة مع صحيفة معاريف اندلاع حرب أهلية بين التيار الديني الذي بات يحوز على مواطن النفوذ في الحكومة، وبين القطاعات المجتمعية العلمانية التي "تناضل" من أجل الحفاظ على حقوقها.

المساهمون