سميرة كنعان "خرّبت عقول" تقنيي الدراجات النارية

08 مارس 2022
"تتسلى" سميرة بتصليح الدراجات النارية (حسين بيضون)
+ الخط -

"عندما تفكّ أجزاءً لمحرّك دراجة نارية يجب أن تعرف كيف تعيد تركيبها". هذا ما تقوله اللبنانية سميرة حسن (60 عاماً) لـ"العربي الجديد" عن مزاولتها مهنة إصلاح الدرجات النارية، ما يعكس خبرتها الواسعة في المهنة والحياة أيضاً.
عام 1985، طالبت سميرة زوجها عماد كنعان بأن تساعده في مهنة إصلاح محركات الدراجات النارية، من أجل "قتل ملل المكوث في البيت، والتسلية". لبّى الزوج رغبتها فبدأت تتقن المهنة رويداً رويداً عبر مراقبته في العمل، من دون أن تأبه بانتقادات الأهل والجيران. تروي: "رفض أهلي هذا العمل في البدء، وتلقيت انتقادات كثيرة من جيراني، حتى أن بعضهم امتنع عن التحدث إلي، لكنني كنت مصرّة على متابعة العمل، فأنا امرأة حرة، ولا أهتم برأي الآخرين". 

مع الوقت، أحبت سميرة المهنة بعدما اكتشفت أسرارها، وبدأت تكتسب خبرة كبيرة فيها نافست فيها الرجال. وتعلّق: "تشعرني المهنة بكياني ووجودي وقيمتي كإنسان منتج ومستقلّ ويعتمد على ذاته، ولا يحتاج إلى الآخرين". 
تتابع بابتسامة تعبّر عن اعتزاز ورضا بالذات: "أعمل من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الخامسة والنصف عصراً، وأرتاح نهار الأحد. قبل بدء العمل في الصباح أرتشف القهوة وأدخن النارجيلة. مهنتي قاسية وصعبة وتحتاج الى جهد جسدي وعضلات قوية. أستريح قليلاً خلال النهار، أدخن النارجيلة مجدداً وأتناول وجبة الغداء، ثم أتابع العمل. في المساء، أعود إلى المنزل وأقوم بأعمال المنزل والطبخ".
وتخبر سميرة أيضاً أن ابنتها المتزوجة زينة "تفتخر بعملي. كما يزورني حفيدي عبد الرحمن في الكراج أحياناً، ويلهو بأدوات العدة، ويملأ الدنيا فرحاً ونعمة". 

الصورة
سميرة كنعان2 (حسين بيضون)
أصبحت معروفة جداً في لبنان (حسين بيضون)

في البدء، لم يثق الزبائن بسميرة، وفضلوا أن يقوم زوجها بالعمل المطلوب، لكنهم بدأوا يكتشفون مع مرور الوقت أنها تصلح بنفسها المحرك أو العطل التقني وليس زوجها فتبدّلت نظرتهم لها، وذاع صيتها في أرجاء البلاد. وحالياً يقصد الزبائن سميرة من مختلف المناطق حتى البعيدة في الشمال والجنوب، ويستشيرها زملاء في المهنة حين يصعب عليهم إصلاح محرك. وتعلّق: "أصبحت معروفة جداً في لبنان. أملك خبرة طويلة، ومستوى عاليا في تقنيات إصلاح أنواع عدّة من المحركات. يقصدني زملاء لأخذ المشورة التقنية، ويتصل بي بعضهم هاتفياً. أنا المرأة الوحيدة في هذه المهنة في لبنان، لا أحد ينافسني. تفوّقت على الرجال والنساء معاً في هذا المجال، وأتقاضى بدل الأتعاب ذاته الذي يأخذه الرجال". 
اعتادت سميرة أن تضع قبعة على رأسها، تضحك ولا يبدو عليها تعب سنوات العمل. تمازح الجيران في طريقهم إلى أعمالهم، وهم نفسهم من انتقدوا عملها في بادئ الأمر، "فأنا أصبحت مثالاً يحتذى لهم، وحرّضت جاراتي على العمل، فبدأن في مساعدة أزواجهن في المحلات التجارية. خربتُ عقولهن، وحين يشعرن بتعب يلقين اللوم عليّ، فأنا السبب". 

الصورة
سميرة كنعان3 (حسين بيضون)
تفتخر ابنتها بعملها (حسين بيضون)

لم تدخل سميرة المدرسة، ولم ترد التعلم، لكنها اكتشفت رغبة داخلية وحقيقية في إتقان مهنة إصلاح الدراجات النارية. تقول: "الزمن يعلّم. أكسبتني هذه المهنة تجارب كثيرة وجعلتني أواجه مواقف مختلفة. وهبتني الطموح وحب العمل الذي أعتبره سلاحاً في وجه مصاعب الحياة. من هنا أنصح جميع النساء بالعمل بدلاً من المكوث في البيت، وعدم الخجل من أي مهنة يرغبن في ممارستها وإتقانها. فالعمل حريّة واستقلال معنوي ومادي، وإثبات للوجود في هذه الحياة". 
ينصت زوج سميرة عماد لحديثها، ويبتسم مرات ويمازحها ويقول إنه يفتخر بها وبعملها، وسعيد بالعمل معها وأخذ رأيها". ويقول لـ"العربي الجديد": "في بادئ الأمر، انتقد معارف وأصدقاء كُثر لي عمل زوجتي، كما أظهرت نساء أخريات غيرة منها، وتناقلن أخباراً غير دقيقة عن أنها لا تجيد المهنة، ولا تدرك مفاتيح العمل، لكنني لم أنصت للانتقادات، ولم أهتم بها. أنا فخور بزوجتي وعملها وشخصيتها". 
ويكشف عماد أن زوجته تحبّ زراعة الورود والشتائل وتربية العصافير، علماً أنها تزيّن الكراج بورود ونباتات، وتربيّ عصافير ملوّنة في أقفاص. وتعلّق سميرة: "أحب سماع تغريد طائر الكنار، خصوصاً حين أرتشف القهوة في الصباح، وأعشق زراعة الأزهار والنباتات التي تمنحني نشاطاً وحياة". 

الصورة
سميرة كنعان4 (حسين بيضون)
لا تهتم سميرة برأي الآخرين في عملها (حسين بيضون)

ولا تكتفِ سميرة بإصلاح محركات الدراجات النارية، فهي تقودها أيضاً، و"بينها دراجات نارية كبيرة من فئة 1100 سي سي. وأحياناً كنت أرفع الدراجة النارية على عجلة واحدة خصوصاً حين يتحدّاني الرجال الذين أحب التفوّق عليهم ومنافستهم، وأعتبر أن المرأة مثل الرجل، وليست أدنى منه مرتبة أو شأناً". 
قبل عامين، تعرّضت سميرة إلى حادث في مصعد كهربائي أثر على صحة ساقيها. فتوقفت عن ركوب الدراجة النارية لكنها لا تزال تتابع عملها في إصلاح المحركات بنشاط وشغف. وهي لم تتوقف يوماً خلال كل السنوات عن العمل حتى خلال الحروب التي شهدها لبنان، بلا خوف من القصف والقذائف. 

المرأة
التحديثات الحية

وتعتبر سميرة أن الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان حالياً هي الأسوأ على الإطلاق، "فنحن لم نشهد يوماً ما نعيشه حالياً. كلفة العيش غالية، ووتيرة العمل خفّت وتضاءلت، فلم يعد الزبائن يستطيعون تحمّل كلفة إصلاح دراجاتهم النارية بسبب غلاء أسعار قطع غيار الدراجات وتدنّي قيمة الرواتب، وارتفاع كلفة الحياة". 

المساهمون