صقل القصب... عمل شاق بمداخيل قليلة في تونس

17 فبراير 2023
تصقل النساء القصب وتجرده من أوراقه بواسطة سكين (العربي الجديد)
+ الخط -

على طول الطريق الرئيسة في منطقة المنبسطة بمحافظة القيروان، وسط تونس، ينتشر عمال صقل قصب الشنشان ضمن حلقات. يعمل نساء ورجال وحتى بعض الأطفال في هذه المهنة الموسمية التي تستمر نحو خمسة أشهر، وتحديداً منذ نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى مارس/ آذار في المنطقة، ويبيعون الإنتاج على حافة الطريق. 
ينبت قصب الشنشان في محافظات عدة بتونس على ضفاف أودية ومستنقعات وبرك مياه، خصوصاً في منوبة وبنزرت ونابل وتونس العاصمة وباجة ومناطق عدة أخرى تقع في شمال غربي البلاد حيث توجد ينابيع مياه، فقصب الشنشان يحتاج إلى مياه كثيرة للنمو، ولا يوجد بالتالي في مناطق الجنوب الجافة. 
وينتقل العديد من أرباب العمل وباعثي هذه المشاريع الصغيرة بواسطة شاحنات تنقل بعض العمال لجمع القصب من جميع المناطق الريفية والقرى. يعرفون أماكن وجوده قرب الأودية وعلى ضفاف البحيرات، فيقطعونه من المزارع والطرقات والجبال من دون دفع أي مقابل لأصحاب الأراضي والمزارع، باعتبار أنّه شجر طفيلي لا نفع منه، ويتخلّص منه أصحاب هذه الأراضي. 

متاعب العمل

ويتمّ تجميع القصب في منطقة المنبسطة بمحافظة القيروان على قارعة الطريق، ويشتهر سكانها بتنظيف القصب فيما يقوم العمال، خصوصاً النساء، بصقله وتجريده من أوراقه باستخدام سكين. وتعمل عائلات بكاملها في هذه المهنة، ويمكن مشاهدة زوج وزوجته وأبنائهما يعملون بشكل جماعي في صقل وقص القصب بعد توزيع المهمات بينهم بحسب قدرات كلّ فرد. 
تجلس سيدة تدعى عربية على الأرض، وتفترش فقط قطعة قماش صغيرة لا تحميها من برد الأرض. تجاعيد يديها والتشققات التي باتت محفورة عليها وبعض الجروح تغني عن السؤال عن متاعب العمل في الخلاء والبرد، وليس في ورش تحمي من لفحات البرد، ومن دون أن يرتدي العاملون أيّ قفازات أو أزياء تحميهم خلال العمل. وكلّ عاملة أو عامل يجب أن يصقل نحو 100 قصبة للحصول على دينار واحد يعادل 35 سنتاً أميركياً.

تقول عربية لـ"العربي الجديد": "أعمل في هذه المهنة الشاقة منذ أكثر من عشر سنوات. نأتي من عدة مناطق للعمل بين خمس وتسع ساعات يومياً في صقل القصب، أي بحسب ما يتوفر، وما نفعله هو صقل القصب وتجريده من الأوراق الجافة". 
تضيف: "يُقسّم العمل بين النساء اللواتي يصقلن القصب من الأوراق اليابسة، وبين أطفال يجمعون الأوراق لحرقها بعدما باتت غير صالحة للاستعمال. أما الشبان فيقصون القصب بمقاييس مختلفة تراوح بين متر ومترين، وأيضاً بأحجام معينة تختلف بحسب الاستعمالات التالية. كما يجمع بعض العمال القصب على شكل حزم على قارعة الطريق من أجل بيعه لعابري سبيل يقصدون تلك المنطقة خصيصاً لاقتناء القصب. ويراوح سعر الحزمة الواحدة بين خمسة وعشرة دولارات".

الصورة
تعمل عائلات بكاملها في صقل القصب (العربي الجديد)
تعمل عائلات بكاملها في صقل القصب (العربي الجديد)

قصب للزينة

ويقتني أصحاب المزارع في الأساس القصب من أجل تسييج أراضيهم الفلاحية وتحديد حدودها بينهم. أما أصحاب المطاعم والمقاهي فيقتنون القصب لتنفيذ ديكورات خاصة بالحدائق، وهو ما يفعله أيضاً أصحاب بيوت من أجل تزيين شرفات وحدائق. كما يقتني القصب العديد من باعثي المشاريع الترفيهية على الشواطئ لفصل مساحات عن أخرى، وأيضاً حرفيون لصنع سلال وقفف وحتى ثريات. 

ويقتني عبد الله القروي القصب قبل أن يجفّ كي يقصه لصنع أسلاك رقيقة يستعملها في تنفيذ كراس وسلال وطاولات، ويقول لـ"العربي الجديد": "أنتقل سنوياً إلى منطقة المنبسطة لشراء قصب بجميع المقاسات، وأحصل عليه بدءاً من يناير/ كانون الثاني، أي قبل أن يجفّ، وأنقع أعواده في الماء لتسهيل قصها إلى أسلاك رقيقة بمختلف المقاسات، ثم أصنع منها كراسٍ وطاولات تستعمل داخل حدائق المنازل والمقاهي والمطاعم. وأنا أقتني كميات كبيرة من القصب الذي يُفقد بسرعة لأنّه يتوفر خلال فترة معينة من السنة". 

الصورة
تقسيم المهمات بحسب القدرات (العربي الجديد)
تقسيم المهمات بحسب القدرات (العربي الجديد)

ورغم انتشاره في عدة محافظات، لكن صقله وتجويده ظل عملاً تشتهر به منطقة المنبسطة تحديداً. ويشير محمد العوني (55 عاماً)، إلى أنّه كان يُشغّل عدة نساء ورجال سنوياً في صقل القصب، ويُؤمّن نقل العمال إلى عدة مناطق لجمعه، فيما يعمل الباقون في المنطقة في قص القصب وبيعه على شكل حزم أو بعد صنع أسوار للحدائق والمقاهي".
يضيف: "تحرق بقايا القصب بعد قصّه كي تنبت أغصان جديدة في الموسم القادم، علماً أن نقص الأمطار في الأودية وجفاف البحيرات جعل كميات القصب قليلة هذا العام مقارنة بالسنوات الماضية". 

المساهمون