يعيش محمد جميل مع أسرته، المكونة من ثمانية أشخاص، داخل خيمة بلاستيكية على الطريق الرئيسي في منطقة مراد جمالي، بإقليم السند الجنوبي، بعد أن دُمّر منزله في المنطقة نفسها خلال الفيضانات، وقد وصلته بعض المساعدات من الاحتياجات الأولية، مثل الأطعمة والملابس خلال الأشهر الماضية، لكن مع دخول فصل الشتاء، بدأ القلق يتزايد لدى أفراد أسرته، فالخيمة لن تقيهم برد الشتاء، كما أن الملابس المتاحة لديهم لا تناسب الشتاء.
يقول جميل لـ"العربي الجديد": "في السابق كنا رغم الفقر والعوز نتدبّر أمورنا خلال الشتاء، فنخزن الخشب للتدفئة، ونجهز الملابس الشتوية، وكنا نعيش في منزلنا، لكن الآن لا منزل لنا، ولا وسائل تدفئة، ولا حتى ملابس شتوية. الفيضانات دمرت كل شيء. في البداية حصلنا على بعض الإغاثة من الطعام والملابس وبعض الاحتياجات الأساسية، لكن ما يقينا من برد الشتاء ليس موجوداً، نحتاج ملابس، وأغطية، فالخيمة التي نعيش فيها لا تقينا من البرد، ولا أدري ماذا نفعل، أو إلى أين نذهب. لست أخشى على نفسي، فلدي حذاء بلاستيكي ورداء ثقيل مرقع، لكن الخوف على أطفالي الصغار، وأخشى عليهم من هذا الشتاء".
مرت أربعة أشهر تقريباً منذ أن غمرت فيضانات جارفة وأمطار غزيرة ثلث مساحة باكستان، ولا يزال آلاف المتضررين يقيمون في مخيمات إيواء، أو خيام على الطرق السريعة في مختلف مناطق البلاد، ومع دخول الشتاء، زادت مشاكل المتضررين، إذ ما زال معظمهم بعيدين عن إعادة التأهيل، وهناك قلق متزايد من أن يشكل انخفاض درجات الحرارة تهديداً على حياة بعض من يعيشون حالياً في خيام.
يقول الناشط الاجتماعي، محمد إنعام، وهو أحد المتطوعين الذين عملوا في مبادرات الإغاثة خلال الأشهر الماضية، لـ"العربي الجديد"، إن "أوضاع المتضررين كارثية، ولا بد من الاستجابة لنداءات المساعدة في أقرب وقت ممكن؛ لأن زيادة البرودة قد تُحدث كارثة إنسانية. المساعدات لا بد أن تشمل بناء منازل للضحايا، وأن تكون على رأس الأولويات في الوقت الحالي، إذ إن هناك حاجة ملحة لحمايتهم من برودة الطقس، فضلاً عن الحاجة إلى مساعدات متواصلة، وتمويل لشراء الملابس والأغطية بكميات كبيرة، ووفق بعض التقديرات، يلزم توفير أكثر من 5 ملايين قطعة من الأغطية والوسائد، ومثلها من الملابس الدافئة على الفور، وسيكون من المستحيل شراء هذا العدد الكبير من المستلزمات الشتوية الجديدة، وبالتالي ينصب تركيز المؤسسات الخيرية حالياً على أسواق السلع المستعملة، مع أن هذا النوع أيضاً بات يمثل تحدياً، إذ ارتفعت أسعارها خلال الأيام الأخيرة نظراً لإقبال الناس عليها".
ويرى إنعام أن "العديد من الأشخاص، من بينهم أطفال ونساء، يصابون يومياً بأمراض مختلفة، منها الالتهاب الرئوي، والتهاب المعدة والأمعاء وغيرها، لكن غالبيتها لا يجري الإبلاغ عنها، في ظل شح كبير في الأدوية، وقلة أعداد المستوصفات الطبية في المناطق النائية، والأشهر القادمة ستكون أشد قسوة من السابقة".
وقدرت الحكومة الباكستانية عدد ضحايا الأمطار والفيضانات منذ منتصف يونيو الماضي، بأكثر من مليون 700 ألف شخص. لكن المنظمات الإغاثية والناشطين يرون أن الأرقام أكبر من ذلك، لأن الوفيات الناجمة عن ظروف ما بعد الفيضانات، وخاصة بسبب الأمراض، لم تُحص بشكل دقيق. وتقول الجمعية الطبية الباكستانية (PMA)، وهي هيئة وطنية من المهنيين، إن عدد الإصابات المرتبطة بالفيضانات أضعاف الأرقام الرسمية المعلنة.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية رسمية لأعداد المتضررين الذين عادوا إلى منازلهم بعد الفيضانات، أو عدد أولئك الذين ما زالوا يعيشون في الخيام، يقدّر سلمان علي، المسؤول في مؤسسة الخدمة الخيرية، وهي إحدى أكبر المنظمات الإغاثية في باكستان، أن عدد أولئك الذين لم يعودوا إلى منازلهم بالآلاف حتى الآن.
ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "الغالبية العظمى من النازحين عادوا إلى ديارهم، ولكن لأن منازلهم دُمرت، أو تضررت بسبب الأمطار والسيول، فإن العديد منهم يعيشون أيضاً في خيام قدمتها لهم الحكومة أو وكالات الإغاثة وقت النزوح، قاموا بنقلها إلى أراضيهم، وهم أيضاً يواجهون مخاطر البرد والأمراض".
وأطلقت مؤسسة الخدمة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، مبادرة لبناء أربعة آلاف منزل في مرحلة أولى لإيواء المتضررين من الفيضانات، وذلك في المناطق التي تعاني من أضرار كبرى في أقاليم السند والبنجاب وخيبربختونخوا.
وقال نائب رئيس مؤسسة الخدمة، محمد مشتاق مانكت، في كلمة أثناء إطلاق المبادرة في منطقة تونسه جنوبي البنجاب، إن "المؤسسة بدأت منذ اللحظة الأولى مساعدة المتضررين عبر توزيع الخيام والملابس والاحتياجات الأساسية، ولكن نظراً لأن البرد الشديد بات يحاصرهم، بدأت المرحلة الثانية، والمتمثلة في بناء المنازل، ونحاول أن نصل إلى أقصى عدد من المتضررين لنعيد بناء منازلهم".