عنف مدرسي... معلمون عراقيون يعتدون على تلاميذ

عنف مدرسي... معلمون عراقيون يعتدون على تلاميذ

22 يناير 2023
تلميذات في المرحلة الابتدائية في إحدى مدارس العراق (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

كثيراً ما تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي في العراق فيديوهات تبيّن تعرّض تلاميذ للعنف في المدارس على أيدي معلميهم، الذين قد يلجأون إلى ضربهم بالعصا أو الصفع أو غير ذلك. وتُظهر أخرى أولياء أمور يشكون تعرّض أبنائهم للعنف اللفظي والبدني داخل المدارس، نتيجة عدم إتمامهم الواجبات المدرسية، أو عقاباً على سلوك معين أو غير ذلك. 
وعلى الرغم من إصدار وزارة التربية في مناسبات عدة تحذيرات للكوادر التعليمية بعدم اعتماد العنف الجسدي أو اللفظي كوسيلة لتأديب التلاميذ، إلا أن العنف ما زال يتكرر في الكثير من المدارس في مختلف المدن من حين إلى آخر، وخصوصاً في العاصمة بغداد. 
يقول مسؤول في وزارة التربية في بغداد إن الأخيرة فرضت عقوبات مشددة بحق المعلمين، منها إيقافهم عن عملهم، وفصل مديري مدارس في حال تعرُّض التلاميذ للعنف وتقدُّم ذويهم بشكاوى إلى الوزارة أو الشرطة. يضيف أن "الأسلوب العنفي يُستخدم في مدارس الفتيات والذكور، ويسجل في المرحلة الثانوية أكثر منه في الابتدائية، في محاولة لضبط سلوك المراهقين، علماً أن ذلك غير مبرر". ويشير في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى تسجيل اعتداءات من قبل التلاميذ وأولياء الأمور على المعلمين في حال نشوب خلافات قد تخرج عن السيطرة في بعض الأحيان. وقد تكون معدلات التلميذ المتدنية سبباً للاعتداء على المعلمين. ويشدد على دور الوزارة في منع العنف أو الحد منه من خلال فرض عقوبات مشددة على المعلم في حال استخدام العنف بحق التلاميذ، أو إهانتهم أمام زملائهم، أو في حال استخدامه ألفاظاً جارحة أو عنصرية أو طائفية بحقهم.
ويقول مدير مدرسة "الأرض الطيبة" في بغداد، أحمد عبيد، في حديثه لـ"العربي الجديد" إن "ظاهرة تعنيف الأطفال انتشرت بشكل كبير في الكثير من المدارس العراقية بسبب غياب الدور الرقابي من قبل الأهل على أبنائهم وتدخلهم والشكوى إلى المدرسة، الأمر الذي يدفع بعض المعلمين إلى تعنيف التلاميذ، على الرغم من أن وزارة التربية ترفض العقاب البدني"، مشيراً إلى "محاسبة أعداد كبيرة من المعلمين من قبل الوزارة بسبب تعنيف التلاميذ".
ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الأسلوب العقابي الإيجابي يتمثل بحرمان التلميذ من الفسحة أو الرحلات المدرسية، أو تكليفه مهام دراسية إضافية في حال عدم قيامه بواجبه الدراسي، أو استدعاء الأهل، وصولاً إلى الفصل من المدرسة ليومين أو ثلاثة. أما السلبي، فيتمثل بالعنف اللفظي والجسدي، وهذا مرفوض تماماً، لكونه يؤدي إلى مشاكل نفسية لدى التلميذ، ويخلق فجوة كبيرة بينه وبين المعلم، ويُعطي صورة ضعيفة عن المدرسة". ويشدد عبيد على "ضرورة استخدام أساليب تعليمية حديثة بدلاً من اللجوء إلى العنف بهدف خلق أجواء تعليمية إيجابية تُسهم بنهوض الواقع التربوي في البلاد، مع الحرص على عدم الاعتداء على الكوادر التعليمية". 
من جهتها، تقول المشرفة التربوية خديجة العاني إن "وزارة التربية وجهت بعدم تعنيف المعلمين التلاميذ بدنياً. لكن للأسف الشديد، يتكرر الأمر في العديد من المدارس، على الرغم من معاقبة عدد من المعلمين". تضيف: "العنف الجسدي واللفظي الذي يمارسه عدد كبير من المعلمين يؤثر بقدرات التلاميذ الإبداعية وطموحهم"، مشيرة إلى أن العنف يؤدي إلى إحباط التلاميذ وشعورهم بالعزلة، وقد يدفع البعض إلى التفكير في ترك الدراسة. 

وتشير العاني إلى أن "تعنيف التلاميذ في المدارس قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية، وتراجع التحصيل الدراسي واندماجه في المجتمع". وفي السياق، يقول المواطن علي العبيدي لـ"العربي الجديد" إن "التلاميذ في المرحلة الابتدائية يشعرون بالخوف والقلق من المعلم، على اعتبار أن المدرسة تُعد تجربة جديدة لهم. لذلك، إن تعنيف الأطفال ومحاسبتهم يخلقان فجوة كبيرة بين المعلم والتلميذ، ويولّدان حالة من الكره للمعلم، وبالتالي كُرهاً للمواد الدراسية".

العنف يطاول مدارس الإناث والذكور (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
العنف يطاول مدارس الإناث والذكور (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

يضيف العبيدي أن ابنه البالغ من العمر 10 سنوات تعرّض للتعنيف على يد أحد المعلمين بالضرب بواسطة العصا على يده لأيام عدة. كذلك يتعرض زملاؤه لإهانات لفظية، الأمر الذي أثّر بنفسيته إلى درجة كبيرة. والسبب أنّه كان قد تخلف عن الدوام بسب تدهور وضعه الصحي، مشيراً إلى أنه اضطر إلى مراجعة طبيب نفسي لمعالجة ابنه الذي يرفض الذهاب إلى المدرسة. ويُطالب العبيدي الكوادر التدريسية، وخصوصاً في المراحل الابتدائية، بألّا يعكسوا مشاكلهم الشخصية على التلاميذ خلال التعليم، ويتحلوا بالإنسانية ويفكروا بمصلحة التلاميذ، ويتحلوا بالصبر خلال تعاملهم مع الأطفال ويساعدوهم على تجاوز السلوك السيئ الذي عادة ما يكون مرتبطاً بأسباب معينة، وإلغاء العقوبات البدنية، وتلك الجماعية.
إلى ذلك، يقول أستاذ علم الاجتماع يوسف الجنابي لـ"العربي الجديد" إن "العنف البدني واللفظي الذي يتكرر في المدارس ليس له مبرر. وللعنف أثر سلبي في التحصيل الدراسي للتلاميذ. فبعد تعرّض التلميذ لتعنيف قوي، تجده لا يرغب في الذهاب إلى المدرسة، لأن حادثة الاعتداء تكون راسخة في ذهنه". ويوضح أن "بعض المعلمين ما زالوا يعتقدون أن الضرب أو العقاب هو الوسيلة الأفضل للتعليم، أو استخدام عبارات غير مشجعة من قبيل (أنت إنسان فاشل)"، مبيناً أن "هذا الاعتقاد خاطئ، وعلى إدارات المدارس منع استخدام هذه الأساليب، والعمل على تطوير مهارات المعلمين واستخدامهم أساليب تقوي الثقة ما بين التلميذ والمعلم، وترفع من المستوى العلمي".

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021، وجّهت حكومة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، بإيقاف العقاب البدني في المدارس، ومنع المعلمين أو التلاميذ من إدخال الهواتف الذكية إلى الصفوف المدرسية. ويأتي هذا القرار بعد موجة الغضب التي أثارها انتشار مقاطع تعنيف التلاميذ من قبل الكوادر التعليمية، وكان آخرها مشهد لأحد تلاميذ كركوك. وكان العراق قد حظر عام 2020 العنف الجسدي، لكن الواقع يُشير إلى أنه ما زال يُطبَّق بصورةٍ واسعة، فيما يمنح القانون العراقي حمايةً للآباء والمعلمين، ومن في حكمهم، من المسؤولية الجنائية عند تأديب الأولاد القصّر، في حدود ما هو مقرَّر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً. يُشار إلى أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" كانت قد لفتت في وقت سابق إلى أن "إنهاء العقاب البدني في المدارس قد يؤدي إلى زيادة الحضور، وانخفاض نسب التسرّب المدرسي، وتحسين نتائج التعلّم، وارتفاع معدلات الانتقال إلى مستويات تعليمية أعلى".

المساهمون