كبسولة الانتحار تطرح أسئلة أخلاقية عن الحق بالحياة والموت

18 ديسمبر 2021
جدل بشأن فكرة استخدام كبسولة مستقبلية للانتحار (Getty)
+ الخط -

سلّط تقرير حديث لصحيفة "نيويورك" تايمز الأميركية الضوء على كبسولة "ساركو" الانتحارية، وإمكانية إتاحتها أمام الجمهور العام المقبل، وكذلك علامات الاستفهام التي تطرحها هذه الآلة حتى لدى بعض أكثر دعاة الحق في الموت، وخاصة  في ما يتعلق بالسلامة العامة.

وشكّلت آلة الانتحار على شكل كبسولة اخترعها الطبيب الأسترالي فيليب نيتشكي مشهداً مذهلاً في المتاحف والمؤتمرات خلال سنوات مضت، لكن الخبراء يرون أن الوقت حان لنقلها خارج صالة العرض وإتاحتها أمام الجمهور العام المقبل في سويسرا، التي لديها قوانين متساهلة بشأن الانتحار الطوعي.

وعمل الدكتور نيتشكي مع مصممين في هولندا، حيث يعيش، لإنتاج نموذج أولي لـ"ساركو" في عام 2017 والذي عُرض منذ ذلك الحين في المتاحف ومعارض الجنازات في أمستردام والبندقية.

تعرض حالياً كبسولة "ساركو" كنموذج في متحف الثقافة القبرية في كاسل، ألمانيا، كجزء من معرض انتحاري

واعتبر الدكتور نيتشكي، الذي كان من مؤيدي المساعدة على الانتحار الطوعي لعقود من الزمن - في وقت سابق من هذا الشهر - بأنه "يأمل بدء مشاركة برنامج الطباعة ثلاثي الأبعاد للجهاز، الذي صُمِّم لكي يمتلئ بغاز النيتروجين، لقتل الأشخاص في المستقبل القريب".

الصورة
الدكتور نيتشكي من مؤيدي المساعدة على الانتحار (Getty)

يأمل نيتشكي تقديم هذه الكبسولة في سويسرا في أوائل عام 2022 بعد أن وجد محامٍ عيّنته منظمته غير الربحية Exit International غياب أي تعارض مع القانون السويسري. لكن إعلان هذه الكبسولة أضاف إلى الجدل المتزايد في ما إذا كان توزيع المعلومات والمواد المتعلقة بالانتحار عبر الإنترنت يشجع الأشخاص على إنهاء حياتهم، في حين أنهم قد لا يسعون للقيام بذلك بطريقة أخرى.

وتعرض الكبسولة  كنموذج في متحف الثقافة القبرية في كاسل، ألمانيا، كجزء من معرض انتحاري. وقالت المنسقة، تاتجانا أهل، إن معظم الزائرين أبدوا عدم ارتياحهم لفكرة استخدام كبسولة مستقبلية للانتحار.

رفض "ساركو" في بريطانيا

في بريطانيا، حيث يُراجَع مشروع قانون المساعدة على الاحتضار في البرلمان، كتب الدكتور ستيفن داكويرث، مؤسس شركة Disability Matters Global، وهي منصة تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة والتعليم، في صحيفة "ذي إندبندنت" أنه "فزع" من كبسولة "ساركو".

وبيّن الدكتور الذي ضغط من أجل قوانين آمنة تؤكد الاختيار الشخصي والتحكم في عملية الاحتضار أنه لا يستطيع دعم ذلك، لافتاً إلى أن هذه الكبسولة ستحرم المستخدمين الاتصال البشري وتستبدلها بتجربة واقع افتراضي.

وتطرح هذه الكبسولة الكثير من علامات الاستفهام، وخاصة في ما يتعلق بالسلامة العامة، بحسب داكويرث، الذي قال: "ماذا لو وصل إليها شخص مضطرب عقلياً؟ أو ماذا لو وصل إليها طفل؟ أو إذا استُخدِمَت للإساءة إلى الآخرين؟ ماذا لو لم ينتج من ذلك الموت الفوري أو السلمي، وترك الفرد وحده دون أي سبيل لطلب المساعدة؟".

تحذيرات متكررة

يؤدي تنفس النيتروجين إلى الموت السريع، بحسب الدكتور تشارلز دي بلانك، اختصاصي الأورام والأستاذ في OHSU Knight Cancer Center في بورتلاند، أوريغون-الولايات المتحدة، الذي درس البيانات عن الموت بمساعدة الطبيب، لكنه حذر من أنّ الغاز لم يُختبَر كأداة للموت، كذلك لم يُستخدَم كبديل للحقن المميتة في عقوبة الإعدام.

وتابع: "ليس من الواضح على الإطلاق أن استنشاق النيتروجين سيؤدي إلى موت سلمي"، على عكس ادعاء الدكتور نيتشكي بأن الموت يأتي بسرعة بعد نشوة قصيرة.

وفي سويسرا، حيث طلب حوالى 1300 شخص المساعدة من منظمات الحق في الموت في عام 2020، يحتم القانون تأكيد أن الأشخاص الذين يسعون لإنهاء حياتهم يتمتعون بعقل سليم، وقد توصلوا إلى القرار دون ضغوط من أي شخص لديه دوافع "أنانية". أضف إلى ذلك، أنّ الموت - بحسب القانون السويسري - يتطلب من الطبيب وصفة طبية لتناول "بنتوباربيتال الصوديوم"، وهو الدواء المميت المستخدم هناك، فيما تتجاوز الكبسولة "ساركو" هذه الخطوة، لأنها لا تتطلب وصفة طبية للدواء.

واستناداً إلى صحيفة "نيويورك" تايمز، فإن بعض المنظمات السويسرية المعنية بالحق في الموت نأت بنفسها عن هذه الكبسولة. وبحسب منظمة " "Exitالتي تقدّم وصايا الحياة والمشورة والرعاية في نهاية العمر، فهي لا ترى أن الكبسولة بديل للانتحار، وقالت مجموعة أخرى إنه "لا يوجد دفء بشري بهذه الطريقة". فيما اعتبرت عيادة ديجنيتاس القريبة من زيورخ، أنّ مادة بنتوباربيتال الصوديوم "جرت الموافقة عليها وتدعمها الغالبية العظمى من الجمهور والسياسة". وقالت جمعية Pegasos السويسرية إنها تجري مناقشة مع فريق "ساركو"، لكنها تريد مزيداً من التوضيح حول الجهاز.

في حين رحّب آخرون ممن درسوا أخلاقيات الانتحار الطوعي بالنقاش بشأن الكبسولة. وقال خبير الأخلاقيات الحيوية في كلية ميتشل هاملاين للقانون في سانت بول - مينيسوتا ثاديوس بوب "إن النقاش بشأن "ساركو" يمكن أن يؤدي إلى طريقة جديدة للنظر في خيارات نهاية الحياة، بما في ذلك من قبل المشرعين".

وأضاف: "هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من أمراض أو ظروف لا يريدون العيش معها، لكنهم غير مؤهلين للموت بمساعدة طبية حيث يعيشون، وإذا مضى حقاً في ذلك، فقد يحصل هذا النهج غير الطبي لتسريع الموت على مزيد من الاهتمام".

انتحار آمن؟

يتمتع الدكتور نيتشكي، 74 عاماً، بسنوات من الخبرة في المساعدة على الانتحار، وفي تسعينيات القرن الماضي في أستراليا، طوّر جهازاً سمح لمرضاه الذين يعانون من أمراض مميتة بالبدء في وفاتهم من خلال إعطاء دواء قاتل بلمسة مفتاح الكمبيوتر. كان هذا في الفترة نفسها التي كان فيها الدكتور جاك كيفوركيان يحاكم بسبب جهاز انتحاري بمساعدة في الولايات المتحدة.

قال الدكتور نيتشكي إنه تأثر بوفاة توني نيكلينسون في عام 2012 وهو رجل بريطاني عانى مما يسمى متلازمة الانغلاق، الذي رفضت لجنة من القضاة طلبه للمساعدة في إنهاء حياته، وهو ما كان السبب في ابتكاره هذه الكبسولة.

وأوضح أنه اتخذ خطوات للتأكد من أن أي شخص يستخدم الكبسولة سيقوم بذلك طواعية. ويمكن المستخدمين بدء تدفق النيتروجين فقط بعد ذكر أسمائهم ومكان وجودهم، وأنهم يعرفون ما سيحدث. وقال إنه تم تصوير هذه العملية وتقديم نسخة للطبيب الشرعي.

المساهمون