مأساة غرق زورق المهاجرين اللبناني مستمرة وتكليف الجيش بالتحقيق

26 ابريل 2022
تشييع ضحايا غرق زورق المهاجرين في طرابلس (أحمد سيد/الأناضول/Getty)
+ الخط -

طلب مجلس الوزراء اللبناني، الثلاثاء، من قيادة الجيش إجراء تحقيق شفاف حول ظروف وملابسات غرق زورق المهاجرين قبالة شواطئ طرابلس (شمال)، تحت إشراف القضاء المختص، وتكثيف جهود البحث عن المفقودين بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية "يونيفيل".
ويتهم ناجون وأهالي عدد من الضحايا الجيش اللبناني بالضلوع في إغراق الزورق بعد صدمه مرتين من جانب طراد تابع للقوات البحرية، وهو ما تنفيه الرواية العسكرية، ويؤكد الأهالي عدم ثقتهم بأي تحقيق تجريه الدولة اللبنانية وأجهزتها، ويتوعّدون بالتصعيد في حال طمس الحقيقة.
وقال ماهر حموضة، وهو أحد الناجين، لـ"العربي الجديد"، إنه لا ثقة لديه بالتحقيقات لأن أجهزة الدولة ستعمل على حماية نفسها، كما حصل في تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، داعياً إلى إجراء تحقيق دولي.
ويسود منطقة القبة بمدينة طرابلس هدوء حذر بعد توترات أمنية، بالتزامن مع استمرار عمليات البحث عن المفقودين في الحادثة التي وقعت مساء السبت الماضي.
ويقول أحد أهالي الضحايا لـ"العربي الجديد" إن "عمليات الإنقاذ تسير بوتيرة بطيئة، كما أن الطقس السيئ لا يساعد، ونقوم بمبادرات فردية عبر مراكبنا الصغيرة بالبحث"، لافتاً إلى أنه "لا توجد أرقام رسمية حول عدد ركاب الزورق، وهناك تضارب في العدد تبعاً لروايات الناجين بين 60 و80 راكباً".

وعقد مجلس الوزراء اللبناني، الثلاثاء، جلسة خصصت لحادثة غرق الزورق وتداعياتها، والأوضاع الأمنية، وقرر الموافقة على تكليف الهيئة العليا للإغاثة باتخاذ الإجراءات كافة لمواكبة ذوي الضحايا، وتكليف وزارة الشؤون الاجتماعية بالتواصل مع هيئات ومنظمات دولية لبحث إمكانية تقديم مساعدات صحية وإنسانية ونفسية لذوي الضحايا.

وأكّد مدير مرفأ طرابلس، أحمد تامر، أنّ "عمليات البحث ما زالت مستمرة، وشاركت فرقاطة يونانية في البحث، وإدارة المرفأ وضعت كلّ إمكاناتها تحت تصرّف فرق الإنقاذ والصليب الأحمر".

في المقابل، يسرد الناجون وأهالي الضحايا قصصاً مؤلمة، ومن بينهم اللبنانية آلاء مثلج، التي نجت مع زوجها، وما زال شقيقها في عداد المفقودين، والشابّتان السوريّتان إيناس عبد السلام وجانده يوسف، والشاب الفلسطيني مازن طالب، والذي نجا مع شقيقه، لكنه فقد بقية عائلته.

وأعلنت نقابة المحامين في طرابلس والشمال تأمين هيئة من المحامين تتولّى تقديم المساعدة القانونية لمن يرغب من الناجين وأهالي الضحايا، وأنّها "ستعمل جاهدة مع المسؤولين لإحالة القضية إلى المجلس العدلي، على أن يتمّ تعيين محقق عدلي بالسرعة اللازمة لجمع الأدلّة وتثبيت الشهادات، حفاظاً على الحقيقة وتأميناً للعدالة".

يناشد جهاد مثلج، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، الأجهزة المعنيّة كشف مصير ابنه الوحيد هاشم (22 سنة)، ويقول إنه كان يدرس هندسة الديكور، غير أنّ الوضع الاقتصادي أجبره على ترك المعهد. "لم أكن قادراً على تسجيله، فأنا عاطل عن العمل منذ جائحة كورونا. كنتُ أعمل في التلحيم الكهربائي، والعمل تراجع بشكلٍ كبير، ونعيش على مساعدات فاعلي الخير، وبالكاد ندفع إيجار المنزل في طرابلس".
ويضيف الخمسيني اللبناني: "ابنتي آلاء تزوّجت قبل الحادثة بيومين، وقرّرت الهجرة مع زوجها لؤي الدندشي، بعد أن ذاقا الأمرّين خلال خطوبتهما أربع سنوات، وبعد أن تمّ صرف لؤي من العمل، وقد تمكّنا من النجاة، غير أنّ ابني ما زال مفقوداً، رغم أنّه وردتني معلومات ممن كانوا بقربه أنه كان يسبح باتجاه مركب للجيش".

ويؤكّد أبو هاشم أنّه فقد الأمل لأن "السياسيّين صمّوا آذانهم عن وجع الشعب. نحن موجوعون، وهم يتفرّجون، ويلوموننا. أبناؤهم يأكلون بملعقة ذهبٍ، وينامون على الحرير، ويتعلّمون في أرقى الجامعات، وأنا عاجز عن إطعام أولادي أو تعليمهم وتأمين الطبابة لهم، فكان البحر منفذهم الوحيد. ابنتي العروس منهارة منذ الحادث، وزوجها فقد والدته وشقيقته (12 سنة) وشيّع بالأمس شقيقه ابن العشر سنوات".

الوجع نفسه، يرويه الصحافي ضياء يوزباشي، عن عائلة فلسطينيّة منكوبة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "مازن طالب (24 سنة) وشقيقه عبد الرحمن (14 سنة)، تمكّنا من النجاة من زورق الموت، لكنّ الأخير يعاني كسراً في القدم. غير أنّ المأساة تكمن بفقدانهما والدهما ووالدتهما وشقيقهما محمد (26 سنة) الذي عقد خطوبته قبل ثلاثة أيام من الحادث، وشقيقهما الأصغر عدنان (8 سنوات)".

ويضيف يوزباشي: "العائلة محبوبة من الجميع في منطقة الزاهريّة بطرابلس. كان والدهم يعمل في تنجيد المفروشات، ومع سوء الأوضاع المعيشيّة قرّروا الرحيل تاركين خلفهم خطيبة محمد. فقدتُ بدوري جزءاً من عائلتي، فأنا لستُ صديقاً مقرّباً، وإنّما أحد أفراد هذه العائلة الطيبة".

تزوجت السورية إيناس عبد السلام (23 سنة) قبل أربعة أشهر في القامشلي، لتنتقل إلى لبنان قبل أسبوعين من الحادثة برفقة صديقتها جانده محمد يوسف، والتي تزوّجت بشقيق زوج صديقتها، يقول خال إيناس، إيفان مشعل، لـ"العربي الجديد": "نريد معرفة مصيرهما، هل هما في عداد الأموات أم الأحياء؟ إنّه شعور لا يوصف".

ويشير إلى أنّه تلقّى عبر الهاتف صورة لهويّة إيناس، مرفقة بمعلومة مفادها أنّه تمّ العثور عليها، وأنها على قيد الحياة، لكنّها قيد التحقيق كون الهجرة غير شرعية، وهو يضع ذلك في خانة "الشائعات"، ويناشد الإسراع في عمليات البحث والإنقاذ.
ويوضح أنّ ابنة أخته وصديقتها كانتا تنويان اللّحاق بزوجَيهما اللّذين هاجرا إلى ألمانيا منذ عام 2014، عبر ما يُعرف بلمّ الشمل، غير أنّ المسألة تعثرت، فقرّرتا الذهاب بهذه الطريقة، فكتب الله لهما رحلة من نوعٍ آخر.

المساهمون