"بدأت أصابعي تتيبس وتؤلمني، وظهرت بعض البقع على يدي اليسرى، ولم أعد قادرة على تحريكها وكأنها مشلولة، أصبح قطف أوراق الشاي من المزرعة حيث أعمل في بنغلادش أمراً صعباً". بهذه الكلمات عبّرت ألوكا غونجو (47 عاماً) لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية عن معاناتها مع مرض الجذام، اليوم الجمعة.
تعمل غونجو في مزارع الشاي في بنغلادش الواقعة جنوب القارة الآسيوية لدعم زوجها وأربعة أطفال وثلاثة أحفاد، بدأت تتلقى العلاج، لكن تلف الأعصاب في يدها اليسرى كان شديداً، ولذا لم يكن العلاج ناجحاً.
‘Spreading faster than ever’: Bangladesh’s tea pickers have world’s highest rate of leprosy https://t.co/sQVIXpl8kA
— manonafence (@manonafence) April 7, 2023
ولا تزال غونجو تعمل في مزرعة الشاي ولكنها تعتمد فقط على يدها اليمنى. يتم دفع أجرها وفقاً لمقدار ما تنجزه فقط، لذا فإن قدرتها الإنتاجية المنخفضة تعني أنها وعائلتها يعيشون ظروفا معيشية صعبة، ولا يمكنهم تأمين الطعام حتى نهاية الشهر.
قصة المزارعة غونجو تشبه مئات القصص في بنغلادش، إذ ينتشر مرض الجذام بين السكان، وتحديداً بين العاملين في مزارع الشاي.
بروتاب كورمي (36 عاماً)، عمل سائق جرار في مزرعة شاي في سريمنغال حتى أصيب بالمرض، ولم يعد قادراً على القيام بأي مهام. بدأت أصابعه تتيبس، كان المرض قد أصاب أعصاب يديه. لم يعد كورمي قادراً على قيادة الجرار، حتى أنه صار عاجزاً عن القيام بالمهام الروتينية اليومية، دون مساعدة زوجته.
فقد كورمي أمله في تكوين عائلة، يقول لصحيفة "ذا غارديان" أشعر بأنني عالق. كنت أحلم وزوجتي بتكوين أسرة ولكن كل شيء أصبح بعيد المنال الآن".
ما هو الجذام؟
ينتمي مرض الجذام بحسب منظمة الصحة العالمية إلى الأمراض المعدية، وتسببه نوع من البكتيريا المتفطرة الجذامية. يؤثر المرض في الغالب على الجلد والأعصاب الطرفية، وإذا تُرك المرض دون علاج، فقد يتسبب في إعاقات دائمة. تنتقل البكتيريا عن طريق قطرات من الأنف والفم أثناء الاتصال الوثيق والمتكرر مع الحالات غير المعالجة. ووفق منظمة الصحة، فإن غالبية الحالات الجديدة التي يتم اكتشافها سنوياً من جنوب شرق آسيا.
يعد الجذام مرضاً قديماً، وهو من الأمراض القابلة للشفاء والعلاج في حال تم اكتشافه في مراحل مبكرة. وبصرف النظر عن التشوه الجسدي، يتعرض الأشخاص المصابون بالجذام أيضا للوصم والتمييز.
على الرغم من جهود منظمة الصحة العالمية للقضاء على الجذام عالمياً، إلا أن معدل انتشار المرض لايزال قائماً. يتم الإبلاغ عن أكثر من 200 ألف حالة جديدة كل عام. بحسب بيانات المنظمة عام 2019، فقد تم تسجيل أكثر من 1000 حالة جديدة في البرازيل والهند وإندونيسيا، بينما أبلغت 13 دولة أخرى (بنغلادش وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ومدغشقر وموزمبيق وميانمار ونيبال ونيجيريا والفيليبين والصومال وجنوب السودان وسريلانكا وجمهورية تنزانيا المتحدة) أبلغت عن إصابة ما بين 1000-10 آلاف حالة جديدة.
مزارع الشاي في بنغلادش
تعدّ بنغلادش من الدولة المهمة في إنتاج الشاي، تصنف على أنها ثاني أكبر منتج للشاي في العالم. يعود تاريخ صناعة الشاي إلى الحكم البريطاني، عندما بدأت شركة الهند الشرقية تجارة الشاي في تلال منطقة سيلهيت. وعلى الرغم من ازدهار هذه التجارة، لكن القصص الإنسانية التي يعيشها مزارعو الشاي تبدو مأساوية جداً، سواء لناحية ظروف العمل، أو على المستوى الصحي. فعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية قد أعلنت القضاء على المرض في بنغلادش عام 1998، لكن البيانات تشير إلى أن البلاد تعد الخامسة عالمياً في معدلات الإصابة.
وبحسب البيانات التي جمعها فيليب جين، الباحث في بنغلادش ومدير جمعية البيئة والتنمية البشرية، فإنّ الظروف التي يعيش فيها جامعو الشاي لها تأثير واضح على صحتهم. يعاني الكثير من سوء التغذية، في حين أن الأمراض الخطيرة غالباً ما تستغرق وقتًا طويلاً حتى يتم تشخيصها نظراً لوجود عدد أقل من المرافق الصحية ولا يستطيع العمال توفير إجازة للحصول على العلاج، وهو ما يؤدي إلى انتشار مرض الجذام في مزارع الشاي تحديداً.
يزداد معدل الإصابة بالجذام في مزارع الشاي عموماً في أنحاء البلاد، وفي منطقة سيلهيت تحديداً وفق بعثة الجذام - منظمة غير حكومية دولية تعمل من أجل تحقيق هدف عدم انتقال المرض بحلول عام 2035 -،إذ تشير البعثة إلى أن مزارع سيلهيت توظف حوالي 600 ألف عامل - معظمهم من النساء من مجموعات الأقليات، يعانون من ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض، كما يلفت الدكتور بنجامين روزاريو، المسؤول الطبي المقيم للبعثة في بنغلادش، إلى أن المرض ينتشر بسرعة هائلة في مزارع الشاي، مقارنة مع مناطق أخرى في البلاد.
وجدت البيانات الخاصة بالبعثة، التي تعمل في 10 دول في أفريقيا وآسيا، أن معدل انتشار المرض حيث تعمل، يصل إلى 15 حالة لكل 10 آلاف شخص، مقارنة بأقل من حالة واحدة من كل 10 آلاف في باقي دول العالم، وتبين أن معظم العائلات لديها شخصا مصابا بالمرض.
عالج فريق بعثة الجذام أكثر من 1600 حالة منذ أن بدأ العمل في المزارع في عام 2017. وقد أنشأ عيادات فيها وكلف العاملين الصحيين المجتمعيين والأطباء بالبحث عن علامات الجذام وتقديم الدعم والعلاج. يحتاج المرضى إلى رعاية طويلة الأمد، قبل أن يفقدوا استخدام الأطراف، وربما سبل عيشهم. وتضم بعثة الجذام، ما لا يقل عن 318 موظفا ومستشفى واحدا وأكثر من 20 مشروعا نشطا في ستة أقسام من البلاد، لمعالجة المرضى.
تحديات عديدة
تكافح المؤسسات المدنية في منطقة مولفيبازار في سيلهيت من أجل القضاء على المرض، لكن تحديات عديدة تواجه هذه المساعي. يؤكد فضل الرحمن، رئيس بلدية منطقة مولفيبازار، أن نقص التمويل وغياب المختصين أدى إلى ظهور المرض مرة أخرى.
يقول فضل الرحمن لصحيفة "ذا غارديان": "بعد إعلان منظمة الصحة العالمية القضاء على مرض الجذام في بنغلادش، بدأت تتقلص المساعدات المالية والاهتمام الطبي بالمنطقة، على الرغم من أن إمكانية ظهور المرض، وهو ما أدى إلى تفاقم المشكلة مجدداً، وبالتالي انهيار التعهدات التي أطلقتها السلطات في بنغلادش، للقضاء على المرض بحلول العام 2030."
وقد حذرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بإنهاء التمييز ضد المصابين بالجذام، أليس كروز، الشهر الماضي من أن البلاد قد يكون لديها عدد كبير من الحالات الخفية للمرض.
إضافة إلى ذلك، فإن الظروف المحيطة بالعمل في مزارع الشاي تحديداً، لا تساعد في القضاء على المرض. العمال لا يحصلون على إجازات مرضية أو إجازات أمومة. لا يوجد دورات مياه وأو أماكن لغسل اليدين والنظافة الشخصية، وعلى الرغم من أن 95 في المائة العاملين في الشاي هم من النساء، اللواتي يحتجن إلى مرافق صحية، إلا أن غياب معايير النظافة تساعد في انتشار المرض. كما يعاني العمال من ضعف جودة الغذاء، وهو ما يؤثر على صحتهم. أضف إلى ذلك، وبسبب الفقر، فهم غير قادرين على ترك العمل، أو الهجرة، ما يجعلهم أشبه بالعبيد.
في العام الماضي، أضرب عمال الشاي طلباً لرواتب أفضل، وتدخلت الحكومة، ورفعت رواتبهم اليومية من 120 تاكا بنغلاديشي إلى 170 تاكا يومياً.