هجرة الأدمغة: هروب الكوادر الطبية الجزائرية نحو فرنسا

05 فبراير 2022
يعيش أطباء الجزائر ظروفاً مهنية واجتماعية صعبة (العربي الجديد)
+ الخط -

 أثار إعلان هيئة رسمية فرنسية عن نجاح المئات من الأطباء الجزائريين في مسابقة معادلة الشهادة، ما يتيح لهم الانتقال للعمل في المستشفيات الفرنسية، جدلاً كبيراً في الجزائر وقلقاً من نزيف جديد في صفوف الأطقم الطبية وهروب الكفاءات إلى الخارج، بسبب ضعف التكفل وسوء الأوضاع الاجتماعية والمهنية بالنسبة للأطباء في الجزائر. وأظهرت البيانات التي نشرتها وزارة الصحة الفرنسية نجاح ألفي طبيب في امتحان المناظرة ومعادلة الشهادات، بينهم عدد كبير من الأطباء الجزائريين. وهذا الامتحان يعدّ البوابة الرئيسية للعمل كطبيب في فرنسا، وشارك فيه آلاف الأطباء من حوالي 24 دولة خارج الاتحاد الأوروبي. وتقوم السلطات الفرنسية دورياً بتنظيم هذا الامتحان لصالح الأطباء الحائزين على شهادة طب خارج الاتحاد الأوروبي، بينما تقبل الحائزين على شهادات طب من داخل الاتحاد الأوروبي مباشرة دون المرور بالامتحان. ويخضع الناجحون لتربص تطبيقي قصير في المستشفيات الحكومية الفرنسية، قبل أن يتم تسجيلهم في اللائحة الرسمية لعمادة الأطباء الفرنسيين.
ويتخوّف الجزائريون من أن تعمّق مغادرة عدد آخر من الأطباء الجزائريين البلاد، من أزمة الكادر الطبي في الجزائر، خاصة في ظل أزمة كورونا التي حصدت هي الأخرى منذ مارس/آذار 2020، أكثر من 450 من الأطباء والكوادر الطبية. وينضم المغادرون إلى ستة آلاف طبيب غادروا الجزائر ويتواجدون في فرنسا، بسبب نقص التكفّل الاجتماعي والمهني والصعوبات الوظيفية للأطباء، والمشاكل المتراكمة في النظام الصحي الجزائري.

وفي 11 يناير/كانون الثاني الماضي، أشرف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على مؤتمر لوضع خطة لإصلاح النظام الصحي في الجزائر، وتعهّد رسمياً بأن تكون سنة 2022 سنة إصلاح القطاع الصحي وتحسين ظروف عمل الأطباء والكادر الطبي بشكل عام، وتحسين وضعهم المادي والاجتماعي وتجهيز المستشفيات. وأوصى مؤتمر تجديد وإصلاح النظام الصحي في الجزائر، الذي اختتم الاثنين، الحكومة، بضرورة وضع خطة عاجلة لتطوير أنشطة الأمن الصحي، ومراجعة آليات تسيير المسار المهني، ومراجعة القوانين الأساسية الخاصة بالأطقم الطبية وقانون الخدمة المدنية ونظام  الحوافز والتعويضات، ما يسمح بتشجيع الكفاءات وتقدير الأداء والمجهود، والزيادة في العلاوات المخصصة لشاغلي المناصب العليا على مستوى المؤسسات الصحية، كما تحيين قائمة الأمراض المهنية وتجهيز وتوفير المعدات الصحية وتجهيزات السلامة الصحية، ووضع تدابير تحفيزية لفائدة الممارسين الأخصائيين لضمان تغطية صحية عادلة على مستوى المناطق الداخلية وفي الصحراء، وتمكين مستخدمي قطاع الصحة من الاستفادة من التقاعد المسبق بالنظر إلى مشقة العمل في هذا المجال.

وقبل أسبوع، كان 28 طبيباً يعملون في مستشفى حكومي بمنطقة ششار، شرقي الجزائر، تقدموا إلى إدارة المستشفى باستقالة جماعية من العمل، بسبب مشاكل مهنية وظروف عمل غير مناسبة في المستشفى، بعد تنفيذهم إضراباً دام سبعة أيام، رفضت خلاله إدارة المستشفى الاستجابة لمطالبهم بالحدّ من التصرفات العدوانية ضدّ الأطباء، وتحسين وضع المستشفى، وتوفير الأمن والنظافة وتحسين الوجبات الغذائية. كما هدد 45 طبيباً متخصصاً في الأشعة والقلب والأعصاب وغيرها، يعملون في المستشفى الحكومي في خنشلة، شرقي الجزائر، بالاستقالة، بسبب التصرف التعسفي الذي تمارسه الإدارة وإهانتهم.

 وقال الدكتور محمد مامن، أحد الكوادر الصحية في المستشفى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ الأطباء اضطروا للأسباب سالفة الذكر إلى الاحتجاج عبر إصدار بيان للرأي العام لوضعه في صورة الأوضاع والمعاناة التي يعيشها الأطباء. وأشار إلى أنّ هناك استقالات لأطباء، كما يمكن أن تكون الاستقالة الجماعية، هي الخطوة المقبلة في حال لم تستجب السلطات للمطالب. وأشار إلى أنّ الكفاءات الطبية التي فضّلت البقاء في البلاد والعمل في المستشفيات الجزائرية، لا يجب أن تُدفع تحت الضغط للمغادرة أو التفكير في الهجرة.

وسريعاً انتقلت القضية إلى الأروقة السياسية، حيث طالب حزب سياسي حركة البناء الوطني، في بيان له، وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد، إلى الإسراع بإيفاد لجنة تحقيق إلى المستشفيين والتعجيل بفتح قنوات الحوار مع المعنيين لمعالجة الاختلالات المطروحة، مراعاةً لمصلحة المواطن. وحذّر فيه من تداعيات استمرار حالة الاحتقان في المستشفى في خنشلة، خاصة في ظلّ الظرف الصحي صعب تمرّ به البلاد، ودعا الأطباء إلى تغليب الحكمة والتعقل والعدول عن الاستقالة واستئناف العمل، حفاظاً على مصلحة المرضى وعلى المصلحة العامة.

المساهمون