هل عقدت موريتانيا صفقة مع الاتحاد الأوروبي لتوطين المهاجرين السريين؟

19 فبراير 2024
مخيم مبيرا في موريتانيا يعدّ من أكبر المخيمات لاستقبال اللاجئين في غرب أفريقيا (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد موريتانيا جدلاً واسعاً على خلفية اتفاق أبرمته نواكشوط مع الاتحاد الأوروبي وإسبانيا بشأن الهجرة السرية، وسط مخاوف من أن يكون "صفقة توطين للمهاجرين في موريتانيا"، ما دفع بحكومة البلاد إلى النفي لتبديد تلك المخاوف.

وكان وفد أوروبي يضم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قد وقّعا في ختام زيارة إلى نواكشوط، في 8 فبراير/ شباط الجاري اتفاقات في مجال التصدي للهجرة غير النظامية مع الحكومة الموريتانية.

وفي ختام الزيارة أعلن المسؤولان الأوروبيان تقديم مساعدات بقيمة 522 مليون يورو لموريتانيا لتعزيز تنميتها الاقتصادية، والتصدي للهجرة السرية، وقال سانشيز إن "إسبانيا ستخصص 312 مليون يورو لموريتانيا في السنوات المقبلة".

بينما كشفت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي "سيمنح نواكشوط أكثر من 210 ملايين يورو، لمساعدتها في إدارة الهجرة ودعم اللاجئين".

هل هناك صفقة لتوطين المهاجرين في موريتانيا؟

أثارت الاتفاقات جدلاً واسعاً في موريتانيا بعد أيام من توقيعها، إذ اعتبرها بعضهم محاولة من الاتحاد الأوروبي لتوطين المهاجرين الأفارقة في موريتانيا.

وحذر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من أن "توطين المهاجرين غير النظاميين مؤقتاً قد يكون بداية استقرار نهائي للهاربين من جحيم المحيط المتوتر".

وفي هذا السياق، تساءل الإعلامي الموريتاني، حبيب الله أحمد: "هل يعقل أن الحكومة الموريتانية أخذت الأموال الأوروبية مقابل توطين آلاف المهاجرين الأفارقة، وفرملة أحلامهم بالعبور نحو فردوسهم المفقود في أوروبا، أو لاحتضانهم عندما ترحّلهم قسرياً دول الاتحاد الأوروبي؟".

وحذر الإعلامي الموريتاني في مقال عبر حسابه على فيسبوك، من مخاطر أي محاولة لتوطين المهاجرين الأفارقة في موريتانيا.

واعتبر أن ذلك "سيغير الخريطة الديموغرافية، كما سيشكل عبئاً على خزينة الدولة، وشيئاً فشيئاً سيتحولون إلى أزمة اجتماعية واقتصادية مدمرة لمستقبل البلاد".

ولفت إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيد، كان قد رفض بشدة "إغراق بلاده بالمهاجرين الأفارقة، واعتبر أن دفعهم من أوروبا باتجاه دول المغرب العربي مخطط وأجندة واضحة تهدف إلى تغيير المعطيات الديموغرافية في تلك الدول، وزرع قنابل اجتماعية قد تُفجّر في أية لحظة".

وسبق أن أعلنت المفوضية الأوروبية في سبتمبر/ أيلول 2023 تخصيص 127 مليون يورو مساعدات لتونس، تندرج ضمن بنود مذكرة التفاهم الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي، جزء منها للحد من توافد المهاجرين غير النظاميين.

كما أكدت تونس، التي تعلن بوتيرة أسبوعية إحباط محاولات هجرة إلى سواحل أوروبا، مراراً رفضها "توطين المهاجرين غير النظاميين على أراضيها".

بدوره، رأى الإعلامي أحمد ولد محمد، في حديثه لـ"الأناضول" أن "ما يجري الحديث عنه من خطة لتوطين المهاجرين الأفارقة في موريتانيا أمر في غاية الخطورة، نتطلع إلى بيان حكومي يوضح تفاصيل الصفقة مع الأوروبيين، ويطمئن الشارع الموريتاني بهذا الخصوص".

فيما قال المواطن أحمد ولد سيد الأمين: "توطين المهاجرين ستكون له تداعيات كبيرة، نحن بلد مقبل على تصدير الغاز، وهذا سيغري كثيرين للبقاء في موريتانيا، ويجب أن تكون هناك خطة واضحة للتعامل مع المهاجرين السريين".

الحكومة الموريتانية تنفي توطين المهاجرين

ومع تصاعد السجال بشأن الصفقة الأوروبية مع موريتانيا في مجال الهجرة السرية، نفى وكيل وزارة الداخلية الموريتانية محفوظ ولد إبراهيم، أن تكون هناك أي مساع لتوطين المهاجرين السريين.

وشدد في مقابلة مع الإذاعة الرسمية في 13 فبراير الجاري أن موريتانيا "لن تكون وطناً بديلاً للمهاجرين غير النظاميين، وأن الشركاء الأوروبيين لا يجرؤون على طرح هذا الطلب"، مضيفاً: "الحكومة الموريتانية لم ولن تقبل ولم تناقش أصلاً أي موضوع يتعلق باحتضان موريتانيا مهاجرين أجانب، يتم ترحيلهم إليها من إسبانيا أو من أي بلد أوروبي".

موريتانيا معبر لآلاف المهاجرين

وتعتبر موريتانيا معبراً رئيسياً للمهاجرين الأفارقة، إذ تحولت مدينة نواذيبو (أقصى الغرب) خلال السنوات الأخيرة إلى وجهة مفضلة للراغبين في العبور إلى أوروبا والولايات المتحدة.

لكن الوزير المكلف بالموريتانيين في الخارج محمد يحيى السعيد، قال إن موريتانيا لم تعد مجرد بلد عبور نحو وجهات أخرى "بل أصبحت وجهة نهائية لمئات الآلاف من المهاجرين من جنسيات مختلفة".

جاء ذلك في كلمة له يوم 13 فبراير الجاري خلال افتتاحه مؤتمراً دولياً في نواكشوط حول الهجرة غير النظامية منظماً بالتعاون بين الحكومتين الموريتانية والأميركية، مشيراً  إلى أن المهاجرين "يعيشون في المراكز الحضرية، بما يمثله ذلك من عبء اقتصادي واجتماعي".

وأكد أن موريتانيا تتحمل "عبئاً كبيراً بسبب تدفق المهاجرين إلى أراضيها والذي سببُه في المقام الأول الوضعية الأمنية المعقدة والحسّاسة في المنطقة".

150 ألف لاجئ من مالي في موريتانيا

وتقول الحكومة إن حركة نزوح اللاجئين من دول الساحل الإفريقي خاصة مالي نحو الأراضي الموريتانية مستمرة، وإن البلاد تستضيف حالياً أكثر من 150 ألف من لاجئي مالي غالبيتهم يعيشون في مخيم مبيرا شرقي البلاد.

وفي تصريح صحافي منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، أرجع وزير الاقتصاد الموريتاني عبد السلام محمد صالح، تزايد أعداد اللاجئين من دول الساحل نحو موريتانيا إلى "عدم الاستقرار السياسي والمخاطر الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل (الإفريقي)".

ووجّه الوزير الموريتاني خلال الاجتماع نداء إلى المجتمع الدولي من "أجل دعم التضامن والتعاون الدوليين حتى يظل اللاجئون يتمتعون بالحماية، ولا تكون الأعداد الجديدة، سبباً في تراجع المكاسب المحققة في مجال التنمية المستدامة".

ويتدفق اللاجئون الماليون إلى موريتانيا منذ عام 2012، على خلفية الأزمة الأمنية التي شهدتها مناطق شمال مالي، ولا سيما مدينة تمبكتو التاريخية، التي بسط تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" سيطرته عليها آنذاك.

ورغم إعلان مالي استعدادها لاستقبال هؤلاء اللاجئين مجدداً على أرضها، يرفض غالبيتهم العودة إلى بلادهم بحجة عدم استقرار الأوضاع، وتردي الظروف الأمنية والمعيشية.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون