"سيلفي" والقرّاء خلفي

24 أكتوبر 2015
ينظرن إلى فراغ (إيريك بيكيرسيل)
+ الخط -

تبدو رقابنا كأنّها معوجّة، قليلاً ما تستقيم. نصنع حياةً في الأسفل. فقدنا الثقة في العالم، أم أنه لم يعد يكفينا؟ ربّما بتنا نخشاه. الهاتف بين أيدينا وهو مشحون. ما من حاجةٍ إلى ونيس، وقد فقدت عيوننا لغة الكلام. الهاتف معنا وماذا يهمنا لو متنا معاً. هاتف آخر سيوثّق هذه اللحظة وسيعجب كثيرون بها ـ بنا.

أشارت دراسة حديثة، نُشرت أخيراً في دوريّة "أنغري بريفنشن" للوقاية من الحوادث، إلى أن معظم حوادث الوفاة في متنزه يوسمايت الوطني في كاليفورنيا، تقع حين يحاول مرتادو المنطقة التقاط صور سيلفي أثناء الاسترخاء أو الاستمتاع بالطبيعة أو تسلق الصخور. وقال الباحثون إن أكثر من 80 في المائة من هذه الحوادث تقع بالقرب من نهر ميرسيد، ويغرق مرتادو المنطقة أثناء التقاط صور السيلفي، بعد سقوطهم في مياه النهر ليجرفهم التيار أو الشلال.
لا داعي لاكتشاف حياة على كوكب آخر. ينقصنا فقط الاعتراف بأننا وجدنا حيوات كثيرة من خلال هواتفنا الصغيرة. ابتسامةٌ واحدة كافية لخلق حياة. لا حاجة لنا إلى مياه. نتنفّس من خلال صور ومعجبين وتعليقات. ونصرّ على تصديقهم جميعاً ونحني رقابنا أكثر فأكثر.

كيف كانت الحياة قبل ذلك؟ نخرجُ إلى شرفة وننظر إلى الناس. ننظر في عيونهم. كنّا نلتقي بهم وإن لم نتبادل الأحاديث. كنّا على تماس مع الكون ومخلوقاته. السماء وحدها تخبرنا بأنها ستمطر. يبدو أننا ننظر إلى فراغٍ اليوم. صور الأميركي إيريك بيكيرسيل تقول ذلك. هو التقط صوراً لأشخاص ينحنون أمام هواتفهم، قبل أن يمسحها من الهواتف. كانوا ينظرون إلى فراغ ولا ملامح في وجوههم. لا حياة. تجلس في حضنه وتحمل هاتفها. هو أيضاً. هل كانا يشعران ببعضهما بعضاً؟ هل رغبت في أن تلامس وجهه؟ "طن، طن، طن". وحده هذا الصوت يخرق صمتهما.

شخصيات بيكيرسيل جميعها، بدت تائهة من دون هاتف أو غيره من الأجهزة الإلكترونية. الأم لا تحضن طفلتها، ولا تصنعان معاً بيتاً من ملاقط الغسيل. لا تغني لها بصوتها. تضع أغنية على الهاتف، فتنظر الطفلة إليه ولا تشعر باللحن. وهذا فراغ. فرغنا من الكون. هو أيضاً لم يعد يريدنا.

أهذا صوته؟ صوتها؟ تبدو أجمل على الصورة. لكننا لسنا صورة في هاتف احتفظنا بها بعد تجارب كثيرة. من بعدنا، سيأتي أحدهم ويزيل كل صورنا القديمة وكلماتنا ليضع بصمته وصوره، ويبني عالمه. الهواتف لا تحفظ الذكريات. ولا داعي لأن يذكرنا "فيسبوك" بين الحين والآخر بلحظاتٍ قديمة. التفاصيل الجميلة أو المؤلمة لا تغادرنا.
مؤلمة صور بيكيرسيل. لم نعد نعيش معاً. ربما لا يهم، طالما يمكننا التقاط صورة "سيلفي" معاً.

اقرأ أيضاً: غفوة ما بعد الظهر