حلمٌ في حقيبة

حلمٌ في حقيبة

21 فبراير 2015
نضع حقائبنا أمام الباب ولا نغادر (فرانس برس)
+ الخط -
هُنا، صار الوقت يقتل الوقت. نقول أحياناً إن الأيام تمضي مسرعة، أو تصير بطيئة، حتى نظنها لن تنتهي. تسبقنا في الحالتين، ونكون عاجزين عن اللحاق بها. هذا فعل القتل. ترانا لا نشعر بشيء. نقف على شرفاتنا بحثاً عن معنى. نرى أبنية شاهقة لا تريد أن تنتهي وقد غلبها الجشع. هي على يقين أنها قد تطال السماء يوماً ما. إلى جانبها أبنية أحلامها أكثر تواضعاً. أمامها حدائق صغيرة تملؤها الأزهار. بقي منها القليل. تبدو كالحلم أيضاً. أشياؤنا الصغيرة باتت هكذا، مجرد حلم قد لا يتكرر أبداً.

الناسُ دائماً على عجلة من أمرهم، لا يستمتعون بالتحايا والابتسامات. كأن آخرين يرسمونها على محيّاهم أو ينطقونها بدلاً منهم. يمضون فقط. إنه الملل. يقضون أيامهم في مواجهته. هو ثقيلٌ كضيفٍ أو مرض. يتحججون بالطموح والأحلام والقوت اليومي. لكنه الملل. يختارون طريقاً اتّبعه أجدادهم من قبلهم. لنقل إنهم يتخرّجون من الجامعة ويعملون ويتزوجون وينجبون الأطفال. يشاركون الطبيعة في تكوينِ أرواح ستملّ بدورها، فقط للتخلص من مللهم. مع ذلك، لا يعترفون بأنانيتهم هذه. قادتهم أحلامهم إلى هنا، حتى وجدوا أنفسهم جزءاً من "سنّة الحياة" التي كانوا يحاربونها، وغرقوا فيها حدّ الملل.

وفي خضمّ الحياة، يبحث بعضهم عن الله بين الكتب السماوية. يقرأون ويقرأون. يؤمنون ثم يكفرون، ثم يؤمنون، ثم يكفرون.. يبحثون عنه في وجوه الأطفال، السعداء منهم والتعساء.
يسألون عنه في الحروب المتنقلة. يجدونه أحياناً، ويفتقدونه كثيراً. بحثهم هذا ينهكهم. ثم يقولون إنه البلاء، فيغفون في أسرّتهم من دون أن ينعموا بنوم عميق. يحلمون به في حياتهم. لا يريدون أن يعرفوه وقد غدوا أمواتاً. ماذا لو يُحقق حلم العدالة على الأرض بعد ساعات؟
توثيق أحداث كهذه كفيل بقتل الملل. فالموت لم يعد حدثاً. صار عادة. نعد الجثث بهدوء. لا يهمنا إن أخطأنا. الأمهات سيبكين في الحالتين. نؤمن أنه ليس لدى الأموات ما قد يفعلونه لأجلنا. فالجثث تأخذ أحلامها معها ولا تورثها. قد يكون الله جزءاً من أحلامنا، أم أنه مسؤول عن تحقيقها؟ وخلال بحثنا عنه، ربما نضيّع الجواب وتضيع الأحلام.

نحلمُ بالهجرة. نضع حقائبنا أمام الباب ولا نغادر. لا يراها سوانا. نضع في داخلها قطعة ثياب تلو الأخرى ولا تمتلئ. بلادنا باتت ثقيلة. يتركنا أصدقاؤنا فيزداد ثقلها. متى نصيرُ جزءاً من الحلم؟ لا ندري. بعد قليل، ستحيطُ بنا تفاصيلنا وتمنحنا قليلاً من الدفء. ولن نمل من صنع تفاصيل أخرى، علّنا نصير مجرد حلمٍ، يُحمل في حقيبة.

المساهمون