يعد المجتمع العراقي بمختلف طوائفه وأعراقه عشائري الطابع والعادات والتقاليد. هناك أعراف متفق عليها بين العشائر في ما يتعلق بالخلافات المسلحة التي قد تؤدي إلى وقوع قتلى. وتعدّ النزاعات العشائرية إحدى أبرز أسباب الموت في العراق بالإضافة إلى العبوات الناسفة والمعارك والاغتيالات المنظمة. وتتنوع أسباب الخلافات العشائرية المسلحة التي تؤدي إلى نشوب قتال بينها، وتحديداَ بعد فقدان السيطرة على الوضع من قبل العقلاء.
في السياق، يقول الخبير الأمني السابق قتيبة العاني لـ "العربي الجديد" إن الأمن المجتمعي يعتمد على أطراف عدة، وخصوصاً الحكومة المركزية التي يفترض بها بسط سلطتها على الأرض لمنع وقوع جرائم، بالإضافة إلى شيوخ العشائر ورجال الدين لحل النزاعات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية أو عقلاء القوم. يضيف أن فقدان سيطرة الدولة أمنياً على المجتمع سيؤدي إلى تفكك المنظومة الأمنية. هكذا، فقد يتحول أبسط نزاع عشائري إلى معركة مسلحة، على غرار ما حصل قبل فترة بين عدد من العشائر في جنوب العراق.
ويعرف العراق بأنه يحتوي على ترسانة كبيرة من الأسلحة المختلفة. وتملك العشائر أسلحة وخصوصاً بعد دخول القوات الأميركية البلاد، وتعرض مخازن الأسلحة للنهب. في السياق، يقول الخبير العسكري ظافر القريشي إنه قبل عام 2003، كانت العشائر العراقية تملك أسلحة خفيفة ومتوسطة. لكن لم يكن أحد يجرؤ على استخدامها إلا في الأعراس والمناسبات الخاصة لأن العقوبات كانت مشددة. بعد عام 2003، تعرضت مخازن الأسلحة للنهب، وأصبحت الأسلحة تباع في الشوارع والأسواق بمختلف أنواعها، بما فيها مدافع الهاون والقذائف.
يتابع القريشي أن طبيعة المجتمع العراقية عشائرية، وفي ظل غياب القانون وانتشار المليشيات وضعف الدولة، يقوى الجانب العشائري على حساب القانون.
وتهيمن الأعراف العشائرية على سلطة القانون في المجتمع العراقي. حتى أن الدولة لا تستطيع تجاوزها في كثير من الأحيان.
في السياق، يقول الخبير القانوني عبد الرحمن الفضلي إن "الأعراف والتقاليد الاجتماعية تطغى على الشرائع الوضعية والسماوية. ويعرف بعضها باسم السنينة أو الفصل، وذلك في حالة وقوع نزاع مسلح ومقتل أو جرح عدد من الأشخاص. وتصل مبالغ الدية إلى الملايين ليتنازل ذوو المقتول بعد استيفاء المبلغ، ما يشجع كثيرين على ارتكاب جريمة في حال كان المال مؤمناً".
ويشير الفضلي إلى أن "العراق يعاني بشكل كبير جداً من ضعف سلطة القانون وطغيان سلطة الأعراف العشائرية بشكل واضح. فكلما كانت سلطة القانون أقوى، خضعت العشائرية للقانون وقلت نسبة الجريمة".
من جهته، يقول الباحث الاجتماعي فتاح العبيدي أن "سلطة القانون يجب أن تكون الأقوى، لكن النزعة العشائرية هي المسيطرة، ما يعني أننا أمام مشكلة خطيرة. السلاح منتشر ومتوفر لدى جميع العشائر". يضيف لـ"العربي الجديد" أن "شعور المجرم بضعف القانون وقوة العشائر يجعله يقف إلى جانب العشيرة بغض النظر عن الظروف والدوافع. يكفي أنها احتضنته".
وقد شهدت البلاد قبل فترة نزاعاً عشائرياً كبيراً أدى إلى نشوب قتال بين عشيرتين في منطقة الكرمة في محافظة البصرة، حيث استخدمت مختلف أنواع الأسلحة كالقذائف الصاروخية ومدافع الهاون والرشاشات المتوسطة والخفيفة، بحسب أهالي المحافظة.
ويحكي أحد الزعماء العشائريين في الجنوب صالح البصري لـ "العربي الجديد" عن نزاعين عشائريين، حدث أحدهما في منطقة الكرمة في البصرة، والثاني في محافظة ميسان، ما أدى إلى مقتل وجرح عشرات المواطنين نتيجة عمليات القصف المتبادلة. ويرى أن هذه النزاعات بدأت تتصاعد بعد عام 2003 بسبب ضعف الدولة وهشاشة الأمن المجتمعي، فضلاً عن انشغال البلد بحروب ومعارك داخلية مع الجماعات المسلحة في مختلف المحافظات، وعدم سيطرة الدولة على السلاح المنتشر في كل مكان والذي يباع حتى على صفحات الفيسبوك.
وكان مجلس محافظة البصرة قد حذر في وقت سابق من تداعيات النزاعات العشائرية وأثرها السلبي على البلاد. وقال رئيس اللجنة في مجلس محافظة البصرة جبار الساعدي إنه فرزت ستة ألوية بهدف السيطرة على النزاعات في المحافظة، على أن يؤدي ذلك إلى استتباب الأمن وحل النزاعات العشائرية.
إلى ذلك، يؤكد الناشط حميد الياسري لـ "العربي الجديد" أنه في حال استمرت النزاعات العشائرية، ستعم الفوضى في كل مكان. ويعزو تزايد النزاعات العشائرية المسلحة إلى غياب سلطة القانون وهشاشة الأجهزة الأمنية وضعف الدولة والفساد الإداري والمالي.
المواطنون بدورهم يحمّلون الدولة والطائفية السياسية المسؤولية. يقول حيدر الكعبي (39 عاماً)، وهو من محافظة ميسان، إنه "خلال السنوات الأخيرة، بدأت تتصاعد وتيرة النزاعات العشائرية من خلال استخدام الأسلحة الثقيلة، وهذا أمر خطير جداً وخصوصاً إذا كانت أسباب النزاع طائفية".
ويرى محللون أن السبب الرئيسي يتمثل في ضعف عامل الثقة بين الحكومة والعشائر، ما يجعل الدولة غير قادرة على نزع الأسلحة من العشائر. فيما يطالب أحد الزعماء العشائريين جواد المحمداوي تطبيق سلطة القانون على الجميع، وتدخل المرجعيات الدينية.
أيضاً، يرى الخبير القانوني أن عرف "الفصل" أو الدية للمقتول يؤدي إلى تراجع دور القانون وسلطة المحاكم. لذلك، يجب تفعيل دور القانون، على أن يخضع الجميع لسلطة الدولة من دون استثناء.
اقرأ أيضاً: اتهامات للشرطة بدعم مليشيات الخطف في العراق