عراقيّون يتسوّقون على "فيسبوك" حفاظاً على حياتهم

26 نوفمبر 2016
ربّما هم أكثر جرأة (صباح أرار/ فرانس برس)
+ الخط -
لجأ بشار أحمد (40 عاماً) إلى وضع صور لسيّارته على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف بيعها. ففي ظلّ الأوضاع الأمنيّة السيئة، لم يعد يخرج من منزله. هذه المواقع أتاحت له عرض سيّارته للبيع، هو الذي يحاول بيعها منذ أشهر عدة. أما أبو عبد الرحمن (37 عاماً)، وهو من سكان محافظة ديالى، فيقول: "أسعى منذ ستة أشهر إلى شراء سيارة، وقد نصحني كثيرون بعدم التردد على معارض السيارات بسبب الوضع الأمني". وهو حقاً بات يخشى التوجّه إلى المعارض. لذلك، بدأ البحث من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي كان جديداً بالنسبة إليه.

على "فيسبوك"، وجد خيارات كثيرة. وما أراحه هو استخدام الناس أسماء مستعارة كما يفعل هو. أمر يجعله بمنأى عن أي خطر. ومؤخّراً، بات هناك مواقع عدة لبيع وشراء السيارات والعقارات، بالإضافة الى السلع المنزلية. وأنشئت صفحات تشبه أسواقاً تضم مختلف السلع بالإضافة إلى أرقام هواتف المعنيين. أثناء تصفّحه مواقع ومعارض بيع السيارات على "فيسبوك"، رأى سيارة معروضة للبيع. ولأنّه يخشى الذهاب إلى المعارض خوفاً من العصابات والمليشيات في المقدادية، ولأنّه لا يعرف الشخص الذي وضع رقم هاتفه، اتصل بصديق مشترك ليسأل عن صاحب السيارة. وبالفعل، توجّه إلى منزله وقد اشترى السيّارة، علماً أن سعرها كان أغلى من السوق. لكنه اضطر إلى شرائها لأنه لم يكن مستعداً للتوجه إلى معارض السيارات.

من جهته، يقول عبد الله جبار (52 عاماً): "بعت جزءاً من أثاث منزلي على موقع فيسبوك. لست تاجراً ولا أملك صفحة خاصة للبيع. إلّا أن الظروف أجبرتني على عرض أثاث منزلي على صفحتي الخاصة، وتحديداً في الفترة التي كانت منطقتنا في العامرية تعد إحدى المناطق الخطرة. وبدلاً من فتح منزلي أمام الجميع لمعاينة ما يريدون شراءه، الأمر الذي قد يشكّل خطراً على حياتي وحياة أسرتي، لجأت إلى وضع صور للأثاث الذي أريد بيعه على فيسبوك وإنستاغرام". يشير إلى أنّه لا يثق بكل من يطلب منه قطعة ليشتريها، خصوصاً أولئك الذين لا يعرفهم. أحياناً، يقدّم أحدهم سعراً جيداً، إلا أنه لا يتفق معه بسبب عدم الثقة التامة بالمشتري.

بدوره، يقطن أركان منعم (46 عاماً)، وهو مدرّس، في مناطق حزام بغداد. يقول لـ "العربي الجديد" إن وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد مجرّد وسيلة تسلية أو معرفة الأخبار والتعرّف على أصدقاء جدد. في العراق، تعدّ تلك المنصّات، خصوصاً فيسبوك، سوقاً حقيقياً لشريحة كبيرة من المجتمع، وقد أجبرتهم الظروف على عدم الخروج من منازلهم إلّا للضرورة.



يضيف: "كنت أقطن في بيت مستأجر. وبسبب خوفي، خصوصاً أنّني هدّدت بالقتل أكثر من ثلاث مرات من قبل عصابات ومليشيات، فكرت في تصوير أثاث المنزل ونشر الصور على صفحتي على فيسبوك، متوجهاً إلى زملائي في المدرسة وأصدقائي. وبعدما نشرت الصور، طلب أحد زملائي شراءها".

من جهته، يقول الناشط الاجتماعي ماجد الجبوري (33 عاماً) إن كثيرين باتوا يخشون التواجد في الأسواق والأماكن التي تنتشر فيها العصابات، والتي تهدّد أمن وسلامة المجتمع. واليوم، يلاحظ قلّة تواجد الناس في المقاهي والجلسات اليومية. ويلفت إلى أنّهم يخشون الخروج من المنزل تحسباً لأي حادث أو انفجار قد يؤدي إلى موتهم. ويلفت إلى أن أحد أصدقائه لم يخرج من المنزل على مدى نحو خمسة أشهر إلا نادراً. هو مضطر للبقاء في مدينته إذ لا يمكنه النزوح أو الهجرة. كذلك، لا يمكنه التسوق بسبب تهديد المليشيات لكل من ليس معهم. وبهدف إبعاد المليشيات عنه، أجّر بيته واستأجر منزلاً جديداً في المدينة نفسها. كان يملك محلّاً لبيع المواد الغذائية. أما اليوم، فقد أصبح حبيس المنزل، وتتولى زوجته التسوق يومياً بدلاً عنه، خوفاً عليه من الخطف والقتل، خصوصاً أنه كان قد تعرّض لمحاولة قتل في وقت سابق أثناء ذهابه لشراء تلفزيون، قبل أن يقرّر عدم الخروج من المنزل إلا للضرورة.

ويلفت الجبوري إلى أنّ لجوء بعض الناس، الذين يسكنون في مناطق غير آمنة، إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف عرض السلع التي يرغبون في بيعها، يعدّ وسيلة ناجحة أحياناً. في الوقت نفسه، قد يستدلّ على أماكن تواجدهم، وإن اعتمدوا أسماء مستعارة. ويلفت إلى أن هذه المواقع يدخلها كثيرون من الذين قد يتسببون في حدوث مشاكل، موضحاً أن بعض التعليقات والردود قد تعد طريقة للاستدلال على أماكن تواجد أصحابها، بالإضافة إلى وجود عصابات تسعى إلى الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي هذه.