أمهات بلا أجنّة

أمهات بلا أجنّة

15 مارس 2016
...تذهب بعيداً في أحلامها (Getty)
+ الخط -

إليهنّ...

تلقي ليلى براحتَي يدَيها على بطنها. تغمض عينَيها وتتمتم دعاءً، قبل أن تذهب بعيداً في أحلامها. "في السنة المقبلة، في عيد الأمّ، نحتفل معاً. لن أنتظر أيّ هديّة. أنتَ هديّتي الأجمل".

تفتح عينَيها، كأنّما وقت الجِدّ قد حان. كأنّما الواقع يتطلّب يقظة خاصة. تعدّ أسابيعها. يكاد السادس أن ينتهي. "يبدو أننا نجحنا في الامتحان هذه المرّة". تأخذ نفساً عميقاً، قبل أن تتملل على فراشها ضجراً. ساعات نهاراتها ولياليها لا تنتهي. لكنّ العتق اقترب. هي بضعة أيام متبقية.

تتناول مجلّة من على المنضدة القريبة من سريرها. على تلك المنضدة، كدّست إلى جانب علب الأدوية التي اختلفت أسماؤها واستخداماتها، آخر أعداد مجلات محليّة وأجنبيّة. غلاف تلك التي تناولتها، يحتفي بعيد الأمّ. العدد كلّه خُصّص لهذا العيد الذي يحلّ بعد أيّام في أكثر الدول العربيّة، بالتزامن مع الاعتدال الربيعيّ. وبعينيَن تلمعان أملاً، تقرأ ذلك التقرير الذي يقدّم "نصائح مفيدة لكلّ حامل في أشهرها الأولى". هي "نصائح مفيدة" لها.

في السنوات الماضية، كلّما اقترب عيد الأم وانتشرت صور نساء مع صغار لهنّ أو أخريات حوامل، كانت تخنقها غصّة تلو أخرى. تلك الصور لم تكن سوى تذكير بما ينقصها. وتغرق في التفكير بفشلها. ربما لم تكن لتراها كذلك، لو أنّ المجتمع من حولها رأف بها، لو أنه فقط تركها بحالها. ربما لم تكن لتشعر بكلّ ذلك الخواء في داخلها، لو لم يسألها الأقربون على الدوام: "نقول مبروك؟". ربما لم تكن لتشعر بكلّ ذلك العجز، لو لم تقترح عليها كلّ زميلة في العمل وكلّ جارة في البلدة اسم طبيب اختصاصيّ "يصنع العجائب" وتزوّدها بأرقام هواتفه، الأرضيّة والخلويّة على حدّ سواء. الاحتياط واجب. ربما لم تكن لتشعر بكلّ تلك الخيبة، لو لم يصرّ كثيرون حتى من غير الأقربين على التعبير عن تعاطفهم معها والرثاء لحالها. هي في وضع لا تُحسَد عليه. ربما لم تكن لتشعر بكلّ ذلك العيب، لو لم يعبّر الجميع عن أسفه لعدم نجاح محاولاتها وزوجها، على الرغم من كلّ المال الذي ينفقانه في كلّ مرّة. هما لم يوفّرا طريقة طبيّة مستحدثة، لكن من دون جدوى. ربما كان لحملها أن يثبت، لو لم تنصبّ عليها كلّ تلك الأنظار المتطفّلة، لو لم تشعر بأنها في امتحان مستمرّ لإثبات كمولها.

في الأمس، رافق آدم ليلى إلى المستشفى. عند الساعة الثامنة صباحاً، كان موعدها مع طبيبها الاختصاصي. كان موعدها في قسم التوليد وليس في العيادات الخارجيّة. في الأمس، خضعت ليلى لعمليّة إجهاض عاجلة. الجنين، توقّف نموّه. "رسبنا في الامتحان، هذه المرّة أيضاً".

اقرأ أيضاً: أنا أجمل!

المساهمون