"مؤسسة إسلام فرنسا" تتجاوز معضلة البوركيني

30 اغسطس 2016
المشكلة أكبر من جدل البوركيني (Getty/ مايك كيمب)
+ الخط -

بينما لا يزال الجدل السياسي حول "البوركيني" محتدماً في فرنسا، اجتمع، أمس، وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنوف، مع ممثلي الجالية المسلمة في فرنسا، لبحث موضوع "الإسلام والجمهورية"، وإنشاء "مؤسسة الإسلام الفرنسي"، من المقرر أن يشرف عليها وزير الداخلية الأسبق، جون بيار شوفينمان.

ويأتي هذا في الوقت الذي منعت فيه سبع بلديات فرنسية لباس البحر الإسلامي "البوركيني"، بحجة أنه يعدّ مظهراً دينياً في بلد علماني، ما خلّف تداعيات عدة في عدد من شواطئ فرنسا، كما أثار جدلا كبيرا في أوساط الحكومة التي يقودها الاشتراكيون نتج عنه صراع سياسي بين الحكومة الفرنسية وبين اليمين واليمين المتطرف.

نيكولا ساركوزي، وفي ردّه عبر وسائل الإعلام الفرنسية، عن تصريحات كازنوف، قال إنه سيعدل دستور البلاد ليتضمن منع البوركيني إذا أعيد انتخابه للرئاسة في الرئاسيات المقررة في أبريل/نيسان المقبل.

وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال جاكا دينيس، النائب في البرلمان الفرنسي عن حزب "الجمهوريون": "إنه أمر مفاجئ للغاية بالنسبة لي أن يتجاوز المشاركون في اجتماعٍ نقاش هيئة للإسلام في فرنسا، إشكال قضية "البوركيني"، والذي أصبح حديث الساعة في البلاد وتتناوله أغلب وسائل الإعلام في العالم". مضيفا "ما أستغربه هو عدم تشديد وزير الداخلية على احترام القوانين وتغييب هذه القضية، لأن المشكل لا يكمن في اللباس فقط. فالبوركيني يندرج في إطار جدل متكرر في فرنسا حول مكانة الإسلام".

ورغم أن أعلى محكمة إدارية فرنسية علقت، الجمعة الماضية، الحظر على ارتداء البوركيني، إلا أن السلطات البلدية في كلٍّ من بلديات نيس وفريجو وقرية سيسكو الكورسيكية عبرت عن تصميمها على مواصلة فرض الحظر.

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، قال برنارد جودار، المستشار السابق لوزير الداخلية الأسبق جون بيار شوفينمان، والمكلف السابق بمهمة الوزارة الداخلية المتعلقة بالمسلمين: "ربما سلطت قضية "البوركيني" الضوء على الصعوبات التي تواجهها فرنسا العلمانية منذ فترة، لكن لا يجب أن ننسى من أين اندلع هذا المشكل، لقد نشب في شواطئ البلدة الواقعة في إقليم الألب البحرية بمنطقة بروفنس ألب كوت دازور وبعد اعتداءات نيس".

أما في ما يتعلق بالهيئة الجديدة المزمع تنصيبها في غضون الأشهر القادمة، فإن "مؤسسة إسلام فرنسا" لن تعالج سوى قضايا محددة تُعنى بترقية مشاريع ثقافية يكون هدفها التعريف بالحضارة الإسلامية بين فئات المجتمع الفرنسي، بدلا عن الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تتبنى الترويج للإسلام، حسب برنارد جودار، الذي أفاد بأن تمويل هذه المؤسسة المدنية ستشرف عليه الحكومة الفرنسية باعتبارها ليست دينية. على عكس هيئة جمعية رعوية ستؤسس بهدف بناء المساجد وتأهيل الأئمة، ستُمول من تبرعات الأفراد والمؤسسات، ومن فرض ضريبة على المنتجات الحلال".

وعن تولي جان بيار شوفينمان "مؤسسة الإسلام الفرنسية" كشخصية غير مسلمة لهذه الهيئة، يقول أنور كبيباش، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لـ"العربي الجديد": "هذا لا يطرح أي مشكل، وأستغرب هذا النوع من الانتقادات، خاصة أن جون بير شوفينمان قد صرح أنه سيساهم في إنشاء المؤسسة وإعطائها النفس الأول، مع إضفاء أكبر قدر من الشفافية، ثم سيتركها لرئاسة شخصيةٍ مسلمة، ولقد اتفقنا على أن يكون للمؤسسة مدير عام وكاتب عام من شخصيات مسلمة" .

وفي ردّ له عن عدم تناول تداعيات حظر البوركيني في فرنسا، أجاب كبيباش "كان الموقف متعمدا، خاصة أن الأمر قد حُسم فيه الجمعة الماضية وعُلق قرار الحظر على البوركيني باعتباره إجحافا للحريات، فبعدما أدى هذا الموضوع إلى حالة من الهستيريا السياسية والإعلامية، كان علينا أن نمضي قدما لإنجاز مشاريع إيجابية تفيد الجالية المسلمة في فرنسا".

وسيضمّ المجلس أيضا الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، والمفكر الإسلامي الفرنسي من أصول جزائرية غالب بن شيخ، هذا الأخير وفي حديث خصصه لـ"العربي الجديد" قال: "في جو من الفوضى التي تسود البيت الإسلامي في المجتمع الفرنسي نحن في حاجة ماسة إلى هذه المبادرة، التي أعتبرها حميدة".

وتابع "الجديد في هذه المبادرة هو دعوة أفراد من المجتمع المدني وبعض الهيئات والشخصيات الثقافية إلى جانب الجمعيات الإسلامية، للمشاركة في إرساء مؤسسة من أجل إسلام فرنسا، والتي تبحث في طريقة ترتيب البيت، كما ذكرتُ سالفا، وذلك لإعطائه المصداقية التي يستحقها".

وأضاف غالب بن شيخ، الذي يرأس أيضاً المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام، "قضية الإسلام في فرنسا تتعدى بكثير ما يسمى "جدل البوركيني"، فنحن بحاجة إلى تكوين أئمة وبناء مساجد، كما نسعى إلى إحداث دراسات عليا تتعلق بالإسلاميات والعمل على الترويج لإسلام حضارة، لا لإسلامٍ يستعمله البعض لإضفاء شرعية دينية على ظاهرة التطرف".

يُذكر أنّ الإسلام يعتبر الدين الثاني بعد الكاثوليكية في فرنسا، وذلك منذ ستينيات القرن الماضي، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن عدداً يتراوح بين الخمسة إلى ستة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا.