سورية: علاج "الأمراض العقلية" في أعزاز على وقع الرصاص

19 سبتمبر 2016
تعرض محيط المستشفى للقصف مرات عدّة (زهير أجوس/Getty)
+ الخط -



بين جدرانه المحصنة التي تشبه السجن في مظهره الخارجي، بمدينة أعزاز الخاضعة لسيطرة قوات الجيش السوري الحر (معارضة مسلحة) في محافظة حلب شمالي البلاد، يؤوي مستشفى الأمراض العقلية الوحيد، قرابة 400 مريض من مختلف أنحاء البلاد ودول أخرى، يتلقون العلاج في بلد باتت الحرب فيها عاملاً فاعلاً في إحداث صدمات نفسية.

 

ومن الوهلة الأولى يوحي المبنى للناظر إليه من الخارج أنه سجن، نظراً لتصميمه الذي يشبه إلى حد كبير تلك المباني التي تستخدم لإنزال عقوبة السجن بالخارجين على القانون، إذ يتألف من طابقين ويحيط به سور إسمنتي وأسلاك شائكة، وعلى نوافذه قضبان من حديد.

ولدى ولوج أسوار المبنى تترامى إلى الآذان أصوات تقشعر لها الأبدان، أصوات متواصلة لا تنقطع طيلة اليوم، مصدرها عشرات المرضى ممن يعانون أمراضاً عقلية وعصبية، ولكل منهم قصة كفيلة بكتابة رواية طويلة تقص على المتلقي والمستمع حكايات وعبراً في هذا البلد المكلوم الذي يعاني ويلات الحرب منذ عام 2011 (انطلاق الثورة الشعبية على نظام بشار الأسد).

ويواجه نزلاء المستشفى خطر الموت يومياً، لما تتعرض له مدينة أعزاز من اعتداءات يشنها تنظيما "الدولة الإسلامية" (داعش)، والمليشيات الكردية والنظام السوري، وتحاول الطواقم الطبية (يعملون بشكل تطوعي) معالجة مرضاهم بكل ما هو متاح لديها من إمكانات، لا سيما في ظل استمرار النقص الحاد في التيار الكهربائي والماء والأدوية وسائر الاحتياجات الأساسية.

 



ويتلقّى بعض المرضى علاجهم في أجنحة خاصة، فيما يتلقاه بعضهم الآخر، وهم مكبّلو الأيدي على الأسرّة، وبعضهم في غرف منفردة، بحسب مراسل "الأناضول".

 

وفي حديثٍ لوكالة "الأناضول" التركية، يقول هشام حاجي جنيت، طبيب نفسي يعمل بالمستشفى، إنّ الأخير يديره مجموعة من الأطباء المتطوعين، مبيناً أنه كان يقدّم خدمات للمرضى، منذ 30 عاماً، في مركز مدينة حلب، وتمّ نقله إلى أعزاز منذ 3 أعوام بسبب الاشتباكات الدائرة في المدينة الواقعة شمال البلاد.

 

ويضيف جنيت أنّ "الطاقم الطبي في المستشفى يتكون من 45 شخصاً، بينهم طبيبان اثنان مختصان بعلاج الأمراض النفسية"، لافتاً أنّ المستشفى المذكور يعدّ الوحيد من نوعه في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة المعتدلة في سورية.

وفي داخل المستشفى، بحسب جنيت، يوجد مرضى من كافة أنحاء سورية ومن دول أخرى مثل مصر وليبيا ولبنان، ويبلغ عدد الأجانب منهم 152 مريضاً بينهم 30 امرأة من إجمالي 400 مريض.

ويتابع الطبيب قائلا "نسعى لتأمين العلاج والغذاء والألبسة لهؤلاء المرضى، كما نقوم بمعالجة قرابة 250 مريضاً يمكثون في منازلهم كون حالتهم الصحية أفضل من نزلاء المستشفى، فهؤلاء يأتون إلينا بين فترة وأخرى ونجري لهم الفحوصات اللازمة ونقدّم أدويتهم".

ويوضح أنّ أعمار المرضى تتراوح بين 17 إلى 70 عاماً، وأنّ قسماً منهم لا معيل له ولا أقرباء، مشيراً إلى تنوع الأسباب التي أدت إلى إصابتهم بأمراض عقلية ونفسية.

وعن نوعية الحالات المرضية بالمستشفى، أردف جنيت قائلاً "لدينا أنواع عديدة من الحالات المرضية، فمنهم من أقدم على قتل أقربائه نتيجة غضب آني وفقد بعد ذلك عقله، ومنهم من فقد ذاكرته بسبب حادثة تعرض لها في ماضيه، ومن بين هؤلاء المرضى، طبيب أسنان أرمني الأصل، كما يوجد بين المرضى من كان مهندساً وطبيباً وضابطاً".

ويتابع "ويمكنني أن أقول بأنّ 60 في المائة من نزلاء المستشفى يحملون شهادات جامعية، وحالات بعضهم خطيرة للغاية، لذلك خصصنا لهؤلاء غرفاً منفردة، وأحيانا نضطر لتكبيل أيديهم لأنهم يؤذون أنفسهم ويعبثون بكل ما يجدونه أمامهم".

ويشير جنيت إلى وجود مرضى تماثلوا للشفاء وخرجوا من المستشفى بصحة تامة مستعيدين كافة قدراتهم العقلية، لافتاً في هذا الصدد إلى أهمية المستشفى والدور الذي يقوم به الكادر الطبي الموجود فيه، بالنسبة للمنطقة.

 وعن ظروف الحرب والعوائق التي يواجهونها في عملهم جرّاء استمرار الاشتباكات، قال الطبي المختص "نسعى لمعالجة مرضانا وسط الحرب والاشتباكات، فمدينة أعزاز تقع وسط المناطق التي تشهد صراعات عنيفة، وقد تعرض محيط المستشفى للقصف مرات عدّة، وأصيب المبنى بشظايا القذائف والصواريخ، وفي بعض الأحيان نضطر لنقل المرضى إلى الطابق الأرضي لأنهم يشعرون بخوف شديد وهذا يؤثر على علاجهم، حتّى أنّ بعضهم يسألنا متى ستنتهي الحرب".

 وعن عملية تأمين الاحتياجات المادية والأموال التشغيلية والإدارية للمستشفى، يوضح جنيت، أن الأطباء المتطوعين يعملون على توفير ذلك باجتهاد منهم، مبيناً أن "المستشفى بحاجة إلى 30 ألف دولار شهرياً، كي نستطيع الاستمرار في معالجة المرضى وتأمين احتياجاتهم".

 وفي تقرير لها في مارس/آذار الماضي، بمناسبة مرور 5 أعوام على اندلاع الأزمة السورية، ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن قطاع الصحة النفسية في البلاد يعاني من نقص شديد في عدد الأطباء النفسيين الذين يزاولون المهنة، حيث تشير الأرقام الصادرة عن جمعية الأطباء النفسيين في سورية إلى أن هناك حالياً 70 طبيباً مؤهلاً فقط في جميع أنحاء البلاد، أي أقل من نصف العدد قبل بداية الأزمة.

 (الأناضول)

المساهمون