تقرير: الاكتظاظ في السكن يمسّ أكثر من 7 ملايين شخص بفرنسا

30 يناير 2018
تكدّس المواطنين في مساكن لا تتلاءم مع شروط السكن(Getty)
+ الخط -

دقّ تقرير جديد لمؤسسة الأب "بيير" في فرنسا، اليوم الثلاثاء، ناقوس الخطر حول ظاهرة الاكتظاظ وتكدّس المواطنين في مساكن لا تتلاءم مع شروط السكن التي يقرها القانون الفرنسي، مشيرا إلى أن الاكتظاظ ليس حكرا على البلدان النامية، بل إن الدول الصناعية الكبرى، أيضا، تعيشه، وما فتئت الجمعيات الإغاثية والصحية تنبّه، منذ عقود، الحكومة إلى ضرورة التعامل مع هذه الظاهرة.

وساءت أوضاع السكن في فرنسا ابتداء من سنة 2006، كما كشفها تقرير صدر سنة 2013 للمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، من أن أكثر من 8 في المائة من العائلات تقطن مكدّسة في بيوتها، أي نحو 7 ملايين و600 ألف شخص، وهو رقم في ارتفاع بنسبة 11 في المائة، مقارنة مع سنة 2006. كما أن 934 ألف شخص يعيشون في وضعية اكتظاظ حادّ، أي أن النسبة قفزت بنسبة 17 في المائة منذ سنة 2006.

وأكد أنّ نسبة العائلات التي تقطن في أماكن ضيقة، وتستقبل مضطرةً شركاءَ من الطلاب في الإيجار، تصل إلى 9.5  في المائة، لافتا إلى أنه يمكن الحديث عن اكتظاظ  حين "تنقص غرفة"، وعن اكتظاظ حادّ حين "تنقص غرفتان". 

ورصد التقرير الآثار الناجمة عن الاكتظاظ، من قلق وزيادة التوترات وسرعة الانفعال والتهيج، إضافة إلى إحساس الآباء بالذنب تجاه أبنائهم، ومن بينها عدم التوفر على فضاء لترتيب الأشياء وتصفيفها، واستحالة تناول وجبات الطعام بصفة جماعية، والاضطرار إلى إفراغ الحمام من أجل غسل الأيدي، وكذلك عدم التوفر على مدخرات الطعام بسبب مكان التخزين، وعدم القدرة على الاعتزال من أجل الاستراحة أو إنجاز الواجبات المدرسية، ونقص المكان أمام الصغار حتى يمرحوا ويتمشّوا، ثم عدم القدرة على استقبال المدعوّين في العشاء.

وهي نتائج مقلقة يؤكدها مدير الأبحاث في مؤسسة القس "بيير"، مانويل دوميرغ، بالقول: "لقد أثبتت دراسات علمية عديدة النتائج الضارة المتعددة للاكتظاظ والحرمان من الحميمية". 

وسجّل التقرير أن نحو 3.8 ملايين طفل يعيشون في مثل هذه الظروف. ويشدّد دوميرغ، على الآثار السلبية لهذا الاكتظاظ، بالقول: "إننا لا نَقيس، بما يكفي، الكلفة الاجتماعية للاكتظاظ بالنسبة للمجتمع، من حيث الفشل الدراسي ومخاطر الصحة، كالربو والحساسية والحرائق والتسمم، إضافة إلى صراعات داخل العائلة نفسها، ومع الجيران ومالك السكن".  



وعلى الرغم من أن الاكتظاظ لا يراه الكثيرون، كما يستهين بدرجته آخرون، خصوصا بعض الساسة والمنتخبين، الذين يسارعون إلى الحديث عن الاكتظاظ باعتباره "خيار حياة" أو أنه "ظاهرة ثقافية"، لكن الحياة في مثل هذه الظروف، كما يؤكد التقرير، يمكن أن "تترك ندوبا لا تندمل".

وتوقف التقرير عند ضحايا الاكتظاظ، فتحدث عن الفقراء من ذوي الدخل المحدود، والذي يعتبر أكثر من نصفهم بقليل، ويقدرهم بنحو 351 ألفا و680 شخص، يقيمون في مساكن مؤقتة. كما أن الاكتظاظ يمسّ أيضا 939 ألفا و700 شخص في السكن الخاصّ، من بينهم نجد 80 ألف شخص في حالة اكتظاظ حاد، كما هو الحال في ما يطلق عليه "غُرَف الخادمات" وهي حالة 7000 غرفة، لا تتجاوز مساحة الواحدة منها 9 أمتار مربعة.  

وكشف أيضا أن ما يقرب من 17 في المائة من القاطنين يقيمون في مساكن ضيقة، وعدّدها بـ767 ألف عائلة. ورأى أن هذا القطاع هو الذي يعرف ارتفاعا مثيرا للقلق، خاصة في باريس وضواحيها، حيث توجد 57.3 في المائة من العائلات الكثيرة العدد (أي ثلاثة أبناء فما فوق) في مثل هذه الوضعية المقلقة.

وأشار في تناوله لظاهرة الاكتظاظ إلى قضية يجهلها الكثيرون، وهي أنها تمس، كذلك، 466 ألفا من مالكي السكن أنفسهم. وتزداد المآسي، كما يعترف مانويل دوميرغ، أثناء ولادة طفل أو أكثر، وأيضا أثناء تجميع عائلات مركبة من جديد (حين يتزوج رجل، له أبناء من زواج أو زيجات سابقة، بسيدة، هي أيضا لها أبناء من زواج أو زيجات سابقة).

وقدّم التقرير مقترحات بعض الحلول للسلطات العمومية، ومن بينها تعبئة أفضل لمؤسسة "HLM"، (وهي مؤسسة تقدم السكن بثمن معتدل، وهو سكنٌ اجتماعي يديره جهاز عمومي أو خاصّ، ويستفيد من تمويل عمومي، جزئيا، مباشر أو غير مباشر)، بحيث تستجيب هذه المؤسسة لطلبات 36 ألف عائلة تستفيد من هذا السكن وتريد أن تنتقل إلى مساكن أصغر مساحة (لأسباب كثيرة، منها حالات وفاة أو مغادرة الأبناء لعشّ آبائهم.. إلخ).

كما اقترح مضاعفة بناء مساكن بأثمنة معقولة. وأيضا، تصور مساكن تطوّريّة، حسب عدد أفراد الأسرة، ثم منح الأولوية في السكن للعائلات التي تعيش في حالة اكتظاظ حادّ.

يذكر أنّ المقيمين في فرنسا، من أجانب، عرب وأفارقة وصينيين، هم الأكثر معاناة من مشكلة الاكتظاظ. وتكفي حالة هذه العائلة المغربية، التي تقطن في منزل بغرفتين، والتي لم تتوقف عن المطالبة، منذ ثلاثين سنة، بسكن يتلاءم مع عائلة من 6 أفراد، ولم يأت الردّ الإيجابي إلا قبل سنتين، أي بعد أن طار كل الأبناء بأجنحتهم خارج العش الأبوي.



كما أن المعاناة تزداد لدى المقيمين بصفة غير قانونية، لأنه لا أحد، خاصة السكن العمومي، يستطيع أن يؤجر بيتا لمن لا أوراق إقامة لديه. وهو ما يعني انضمامهم إلى جيش المشردين، الذي وعد الرئيس إيمانويل ماكرون، من دون نجاح كبير، بألا يُبقي منهم أحداً في الشارع، خاصة في عز الشتاء والبرد والفيضانات.     

يذكر أن مؤسسة الأب "بيير" تُعنى بمساعدة العائلات الفقيرة في فرنسا على تجاوز الظروف الصعبة، سواء تعلق الأمر بالسكن أو التغذية، وتصدر، أيضا، كلّ سنة، تقريرا سنويا عن أوضاع السكن في فرنسا.

 

دلالات