"الريافة" مهنة بغدادية قديمة لم يبق من محترفيها إلا اثنان

بغداد

محمد الملحم

avata
محمد الملحم
08 يناير 2018
9E5A688A-D399-4260-AB70-4580B79B8E13
+ الخط -


تحتضر العديد من المهن الشعبية البغدادية القديمة بلا أي حراك من الدولة أو المهتمين لإنقاذها على اعتبار أنها ترتبط بتاريخ بغداد الموغل بالقدم، كمهن النداف والزجاج والروّاف والوراق والسقاء وغيرها. فمع مرور الأعوام تختفي أو تتلاشى إحدى تلك المهن بموت أصحابها أو إغلاق دكاكينهم التي لم تبع أو تؤجر، مع العلم أن جميعها يقع بمناطق مهمة في بغداد على نهر دجلة وعادة ما يسيل لعاب المستثمرين والتجار عليها.

ومن تلك المهن، مهنة الرواف وتعني مصلّح الملابس والسجاد التالف. تعود أصولها للعصر العباسي وتحديداً إلى القرن الرابع الهجري في بغداد، وكانت من المهن الضرورية في حياة الناس كبديل عن عملية رقع الثوب أو خياطته بشكل ظاهر للعيان يحرج صاحبه.

وعن المهنة يقول خضير الحاج عباس، وهو من آخر رجال المهنة في بغداد، إن "الريافة هي إصلاح الملابس والمنتجات النسيجية الأخرى كالسجاد وما شابه ذلك بعد تعرضه للتمزق أو
الثقب أو التلف بفعل حرق كحرق السيجارة أو أعواد الكبريت وغيرها. ويقوم الرواف بإعادته إلى ما كان عليه قبل الضرر الذي يتعرض له".

ويضيف لـ"العربي الجديد" مستخدماً المثل البغدادي القديم القائل "إذا أردت أن تكرم أحد ما فعليك بالخياط أو الرواف"، كما يشير إلى أن أرباب تلك المهنة يستهلكون بصرهم فيها.

ويشبه عباس مهنة الريافة بالأقدار لأن الضرر يقع في لحظة، ولكن إعادة الاشياء لما كانت عليه تتطلب جهداً كبيراً.

ويعرف عباس الريافة بـ (السدة واللحمة) والسدة هي عملية ترقيع الثقوب بخيوط من نفس الثوب (القميص او الزي العربي أو البنطلون أو السجاد ...إلخ) بطريقة طولية كانت أو عرضية، أما اللحمة فهي ختم النهايات بطريقة دقيقة لإخفاء العيوب.

ويتابع عباس "من الريافة بنيت داراً، ولي ولد وثلاث بنات كلهم تخرجوا من الجامعات بحمد الله وفضله من هذه المهنة، أما اليوم بعد انقراض هذه المهنة التي تقتصر في بغداد على اثنين أنا وشخص آخر فلم تعد تسد الحاجة".

وتقول الحاجة نزيهة العاني (78 عاماً) "جئت إلى الرواف لإصلاح عطب في سجادة الصلاة التي أهداني إياها زوجي رحمه الله بعد زيارته بيت الله الحرام عام 1979، ولم أصل إلى هنا بسهولة لتغير معالم السوق تماماً. أذكر جيداً كان هذا شارع الساعات يحوي محلات كثيرة للروافين، لكن الحمد لله بقى منهم اثنان ليصلحوا لنا أشياءنا الثمينة بقيمتها المعنوية".

من جانبه يقول سلام دريد(25 عاماً) "لم يعد لهذه المهنة دور في حياتنا، فعجلة الحياة غيرت الكثير من الأشياء، فالملبوسات مثلاً لم تعد ذات كلفة عالية لأن المستورد رخيص وعملي. أما السجاد وغيرها فلم يبق من البيوت البغدادية من يقتني سجاداً نادراً وذا قيمة عالية كما كان في السابق ليقوموا بريافته لندرته مثلاً، بل يستخدم أغلب الناس اليوم السجاد والمفروشات التي تعتمد على اللون والنقش وهو عملي وبأسعار مناسبة نوعا ما ولا تستحق الريافة. وحين يقع الضرر يستبدل او يباع بسعر زهيد، وعليه لا يزور الناس محل الريافة إلا من كان لديه شيئ نادر يحتفظ به لقيمة مادية أو معنوية".