قبل الشروع في اكتشاف بلدان غريبة، قد يكون من الجيّد التعرّف على مناطق الوطن من خلال ما يُعرف بالسياحة الداخلية. ويبدو أنّ شباب تونس ناشطون في هذا المجال.
تكثر الرحلات الداخلية والتخييم في الطبيعة في تونس ويتزايد إقبال الشباب عليها، ففي مثل هذه النشاطات السياحية متعة تجمع بين الرياضة والترفيه والعلاقات الاجتماعية، فيما تحدق المخاطر بمن يمارسها خارج أطرها القانونية. ولأنّ العصر هو عصر التكنولوجيا، باتت وسائل التواصل الاجتماعي منصّة أساسية لتنظيم نشاطات مختلفة في إطار ما يُصنَّف سياحة داخلية، فتُشكَّل مجموعات تضمّ محبّي هذه الهوايات وتروّج على صفحاتها لما تقوم به وتنشر صوراً لمسالك سياحية ورياضية غير تقليدية بهدف تنظيم رحلات في داخل البلاد.
وتُنظَّم الرحلات التي يُطلق عليها "راندوني" وكذلك التخييم في قلب الطبيعة بعيداً عن صخب المدينة، للاستمتاع بالطبيعية المكتشفة. والخطط الخاصة بها تُعَدّ مسبقاً، فتُحدَّد عادة الوجهة والمدّة والمواعيد والتكاليف، فيما يتولّى المشرف على التنظيم الإجراءات القانونية اللازمة للحصول على تراخيص النقل وحجز الحوافل وما إلى ذلك.
منى العبيدي من الأشخاص الذين يحرصون على المشاركة في تخييم ورحلات استكشاف في الطبيعة، وقد التحقت بمجموعة شبابية تمارس هذه الهواية منذ أعوام من خلال موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي. تقول لـ"العربي الجديد": "وجدت متعة كبيرة في المشاركة في رحلات المجموعة التي تتراوح أعمار أفرادها بين 20 عاماً و38. ونحن جميعاً ننتظر الرحلة التي تنظّم شهرياً بفارغ الصبر، وذلك بعد اتفاق مسبق على الوجهة التي نختارها بالإجماع". تضيف العبيدي أنّ تلك النشاطات "فتحت لي مجالات جديدة لاكتشاف أجزاء من بلادنا لم أكن أعرفها"، مؤكدة أنّ "تونس تزخر بمواقع طبيعية لا تقلّ جمالاً عن أشهر الوجهات في العالم، غير أنّه لا يُستفاد منها".
وتتابع العبيدي أنّ "الرحلات تلاقي إقبالاً متزايداً من قبل الشباب التونسي الذي يبحث عن السياحة والاستكشاف في خارج الأطر الرسمية بتكلفة منخفضة"، لافتة إلى أنّ "معدّل مساهمة الفرد في الرحلة الواحدة لا يتخطى 50 ديناراً تونسياً (نحو 18 دولاراً أميركياً)". وتتحدّث عن "إضافة" يحققها الشباب من تلك الرحلات، موضحة أنّه "من خلال التخييم يمكن كسب صداقات جديدة إلى جانب النقاشات التي تخوض في الشأن العام والسياسة وتساهم في تبادل الأفكار والآراء. في ذلك إثراء للتجربة الشبابية في التواصل اجتماعياً بعيداً عن الأطر الكلاسيكية التي يعزف عنها الشباب".
ومثل تلك الرحلات يتطلّب تأميناً وتوفيراً لسبل الحماية لأفراد المجموعات المشاركين، فيحرص المنظمون على الحصول على التراخيص القانونية اللازمة والتعاقد مع وكالات للرحلات توفّر وسائل نقل بعقود قانونية. وفي هذا الإطار، يقول حسام حمدي وهو ناشط بيئي يهتمّ بالتخييم والرحلات الترفيهية لـ"العربي الجديد" إنّ "هذا النشاط خاضع لقانون الجمعيات"، مؤكداً أنّ كل رحلة تستوجب الحصول على تراخيص مسبقة وفقاً لكلّ نشاط بحدّ ذاته. يضيف حمدي أنّ "الناشطين في هذا المجال يبرمون عقوداً مع تلك الوكالات لتوفير حافلات وفقاً للمواصفات التي تؤمّن سلامة المشاركين"، من دون أن ينكر "وجود مجموعات تنشط في خارج الإطار القانونيّ، ما يعرّض رحلاتهم للخطر والمساءلة القانونية".
وكانت حادثة سير مروّعة تعرّضت لها حافلة سياحية أخيراً قد كشفت النقاب عن تجاوزات قانونية في مجال رحلات السياحة الداخلية ونشاطات التخييم، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات قانونية صارمة تضمن القدر الأكبر من سلامة مثل تلك الرحلات الترفيهية. وفي تفاصيل الحادثة، شهدت منطقة عمدون، شمال غربي تونس، في ليلة الأحد الأوّل من ديسمبر/ كانون الأوّل والإثنين الثاني منه، حادثة سير مفجعة وقع ضحيتها شباب تونسيون كانوا في رحلة سياحة داخلية في اتجاه مدينة عين دراهم، الأمر الذي تسبّب في وفاة 29 شاباً وجرح 18 آخرين. وفي السياق، دعا رئيس الاتحاد الوطني للصناعة الفندقية، عفيف كشك، إلى ضرورة تقنين السياحية الداخلية في ظلّ وجود من وصفهم بـ''الدخلاء'' على القطاع، من قبيل غرار الجمعيات والوداديات (الروابط) التي تنظّم رحلات سياحية من دون الخضوع إلى قانون يحدّد مجال نشاطها. وشدّد كشك في تصريح إعلامي على ضرورة وضع خارطة للنقاط السوداء على مستوى الطرقات في مختلف أنحاء البلاد. بالتالي، وبينما يطالب مهنيو السياحة بالحدّ من نشاط الدخلاء وتوفير التأمين اللازم لرحلات الترفيه الداخلية، يعبّر ناشطون شباب عن خشيتهم من التضييق على نشاطاتهم ذات الصلة.
عقب حادثة عمدون، أعلنت الحكومة عن قرارات لمراجعة الشروط الحالية للقيام بالنقل العرضي وتنظيم الرحلات، ومنها تحديد العمر الأقصى للحافلات الممكن استخدامها والتسريع في إصدار دفتر شروط يتعلق بنشاط النقل السياحي، فضلاً عن مراجعة التشريع الخاص بالفحص الفني للعربات في سبيل دعم مراقبة تجهيزاتها الخاصة بالسلامة مع استخدام الأجهزة الرقمية لمراقبة السرعة ومدّة القيادة ومدّة الراحة بما يضمن نجاعة تطبيق الترتيبات الخاصة. وإلى جانب التأكد من توفّر المؤهلات البدنية لسائقي الشاحنات الثقيلة والحافلات، طالبت الحكومة بشهادة كفاءة مهنية إجبارية وكذلك رخصة قيادة من النوع المطلوب لسائقي الشاحنات الثقيلة والحافلات كشرط أساسي.