في جعبة العائلة الصغيرة اليوم، أكثر من 500 كتاب للأطفال باللغات العربيّة والمجريّة والفرنسيّة، تُضاف إليها أخرى تُستعار من مكتبات عامة في بودابست. ولا تنتهي الحكايات...
لم تبدأ قصّة "حكايتي حكيتها" قبل عامَين ونيّف، عندما أدركت ندى الأحمر أنّ ثمّة نقصاً حقيقيّاً في مراجعات كتب الأطفال العربيّة، بل هي تعود إلى بضعة عقود لمّا تشكّلت علاقة حميمة ما بين الفتاة الصغيرة حينها وعالم الكتب الواسع. في ذلك الزمن، كانت مكتبة العائلة الواقعة في سوق مدينة بعلبك، شرقيّ لبنان، مفتوحة أمام الفتاة وإخوتها الثلاثة، وكانت الكتب باختلافها متاحة لهم.
في يناير/ كانون الثاني من عام 2017، انطلقت المرأة التي كانت حينها أمّاً لصغير لم يبلغ الرابعة من عمره فيما تنتظر ولادة آخر، في مشروعها الجديد... مدوَّنة متخصّصة في مراجعة كتب الأطفال. في ذلك الحين، كانت الأحمر تسكن مؤقّتاً في المجر، حيث تستقرّ اليوم. ولأنّ الكتب العربيّة غير متوفّرة في المكتبات هناك، لجأت إلى مواقع إلكترونيّة ذات صلة لاختيار بعض من الكتب المناسبة لسنّ ابنها وشرائها عبر الإنترنت. قبل ذلك، كانت قد اعتادتْ انتقاء الكتب لولدها مباشرة من مكتبات ودور نشر ومعارض في لبنان.
"عند استلامي مجموعة الكتب الأولى التي طلبتُها أونلاين وتصفّحها، صُدمتُ بعدد كبير منها على الرغم من أنّ عناوينها لافتة وقد صُنّفَت من بين أفضل كتب الأطفال باللغة العربيّة"، تقول الأحمر مشيرةً إلى أنّ الأمر يتعلّق بأكثر من صدمة. وتشرح أنّ "لغة بعض الكتب كانت ركيكة، فيما أتت رسوماتها مميّزة، كأنّما ثمّة دور نشر تستخفّ بتدقيق نصوص كتب الأطفال. كتب أخرى، كان مضمونها إشكاليّاً بالنسبة إليّ، من قبيل ربط اللون الأسود بالشرّ في إحدى القصص التي رسمها وكتبها فنّان كبير". وعندما رغبتْ الأحمر في التعليق على بعض من تلك الكتب على صفحات مواقع إلكترونيّة روّجتْ لها، "اكتشفتُ أنّ الأمر غير ممكن مثلما هي الحال بالنسبة إلى الكتب الأجنبيّة، أقلّه الكتب الفرنسيّة والمجريّة". وتعبّر عن امتعاضها كذلك من "عدم استعراض الكتب بطريقة وافية حتى يطّلع الأهل على بعض محتوى ما يشترونه قبل أن يفعلوا ويُصدَموا. يُقال إنّ ذلك مقصود حرصاً على عدم حرق الأحداث. قد يصحّ الأمر بالنسبة إلى كتب البالغين، أمّا الصغار فنحن في حاجة إلى شيء غير المادة الترويجيّة التي تتوفّر عادة".
والأحمر كانت قد أنشأتْ مدوّنة في عام 2012 راحتْ تنشر فيها نصوصاً شخصيّة، فصارت مراجعة الكتب جزءاً منها قبل أن تحوّلها إلى "حكايتي حكيتها" حصراً. "وصرتُ أدوّن ما لا يعجبني، أو بالأحرى ما لم يتأثّر به أو يتفاعل معه ابني في قصّة ما، بالإضافة إلى ردود فعله وتعليقاته والمشاعر التي انتابته عند قراءتها"، مشدّدة على أنّ "الأمر لا يعني أن يعجبه كتاب أعجبني أنا". من يتصفّح مدوّنة الأحمر، لا بدّ من أن يلاحظ الدقّة التي تحرص عليها في نقلها المختصر لردود فعل ابنَيها اليوم، وبالتالي قد يتشجّع على قراءة قصّة معيّنة لطفله أو قد يفكّر مرّتَين قبل شرائها. لكنّ الأحمر تشدّد على أنّه "من غير الضروريّ أنّ يأتي ردّ فعل طفل آخر مشابهاً لردود فعل ابنَيّ أو واحد منهما. وهذا أمر طبيعيّ، فكلّ طفل يختلف عن الآخر وبالتالي يتفاعل مع الرسومات أو مضمون القصّة بطريقة متمايزة عن سواه. وهذا أمر ألاحظه مع ابنَيّ".
في سياق متّصل، تشير الأحمر إلى أنّ "ثمّة كتباً نظنّها مهمّة ومفيدة لأولادنا وما إلى ذلك، غير أنّها لا تجذب انتباههم. من هنا، تأتي محاولاتي في نقل ردود فعل ابنَيّ". وإذ تقرّ في السياق بأنّها تخشى "التفلسف والتنظير"، تلفتُ إلى أنّ "المسوّدات لديّ أكثر بكثير من المنشورات. أنا لا أدوّن بالقدر الذي أرغب فيه. وعندما أكتب، أطلب رأي أكثر من شخص حول وضوح ما أريد نقله وإذا كان مناسباً أم لا". هي تحرص قدر الإمكان على "الموضوعيّة" عند تشريحها لكتاب ما.
أمّا بالنسبة إلى الإفادة، فترى الأحمر أنّ "كتب الأطفال قد تزوّدهم بشيء ما أحياناً، وفي مرّات قد تضحكهم وتسلّيهم فقط، وفي أخرى قد تبكيهم. لكنّ ثمّة أشخاصاً يظنّون أو يريدون الظنّ أنّه من الضروريّ أن تعلّم القصص أطفالهم شيئاً ما. لا شكّ في أنّها قد تفعل ذلك، غير أنّها ليست هي التي تجعل الطفل مثلاً أقلّ تمييزاً تجاه آخرين مختلفين أو غير ذكوريّ على سبيل المثال". وتوضح أنّ "الطفل يراقب أفعالنا ولا يتّكل على ما نخبره إيّاه فحسب. ابني الصغير على سبيل المثال، يرى أنّ إحدى بطلات قصصه المفضّلة ترفض الخلود إلى النوم لأنّها في انتظار أبيها حتى يقرأ لها قصّة. والسبب هو أنّ والده يقرأ له قصصاً قبل أن يغفو. هذا ما يعيشه".
في عائلتها الصغيرة، "للقراءة وقت مقدّس لا يمكن التنازل عنه، نتشاركه جميعاً - أنا وزوجي والولدَين - قبل النوم". لكنّها ليست محصورة بذلك الوقت، فثمّة قراءات صباحيّة وأخرى في خلال ساعات النهار. هي أمر لا يملّه أحد منهم. شريك حياتها "مدمن قراءة مثلي، ونحن كنّا متحمّسَين في البداية للقراءة لابننا الكبير". وتقرّ بأنّ "ثمّة أنانيّة في الأمر، كأنّما نريده أن يشبهنا. نحن كنّا قادرَين على الوصول إلى مئات الكتب وبلغات مختلفة، وهذا ما جعلنا حريصَين على القراءة لولدَينا اليوم، بالإضافة إلى أنّ كتب الأطفال ممتعة حتى بالنسبة إلينا كبالغَين".
لا تكتفي الأحمر في "حكايتي حكيتها" بمراجعة الكتب ونقل تفاعل ولدَيها فحسب، بل تغوص أحياناً في مواضيع شائكة أو إشكاليّة، فتتناول مثلاً "الدكتاتوريّة" و"أسئلة الموت" من خلال كتب تختارها بعناية، كتب ليست باللغة العربيّة حصراً. وعند سؤالها عن الأسباب التي تدفعها إلى التورّط إلى هذا الحدّ في قراءة القصص للأطفال، تجيب الأحمر: "بعيداً عن كلّ شيء، فإنّ كتب المستشفى من ذكرياتي الأولى. لم أكن قد بلغت السادسة من عمري، ووالدتي - كانت حاملاً حينها - راحتْ تقرأ لي قصصاً في الليل وأنا ممدّدة هناك. هذه واحدة من الذكريات الأكثر دفئاً. طموحي، لا بل حلمي، هو أن يتذكّر ولداي لحظة دفء شعرا بها عندما كنّا نقرأ كتاباً أو آخر".