بدء موسم جني الكمأ في العراق... تنقيب عن "لحم الفقراء"

18 فبراير 2020
العراق من أكثر البلدان الَتي يتواجد فيها الكمأ (فيسبوك)
+ الخط -
ككل عام، يبدأ العراقيون في مثل هذه الأيام موسم جني الكمأ، في مدن شمال وغرب البلاد على وجه التحديد، في فعالية تجمع بين المتعة والسفر، للتنقيب عن "لحم الفقراء"، كما يحلو للأهالي تسميته، رغم أنّ أسعاره بالعادة تكون أعلى من سعر اللحم.

للكمأ أو "الجمه" باللهجة العراقية المحلية، أنواع وألوان وأحجام مختلفة، ولكل منها سعره وزبائنه أيضاً، وبغرض البحث عنه يتوجه العراقيون إلى الصحراء والبوادي القريبة، على شكل مجموعات شبابية أو عائلات تتفق في ما بينها، ثم يشرعون في التنقيب عنه في الأماكن المرتفعة في الأرض لرفع التراب من فوقه واستخراجه.

وينمو الكمأ طبيعياً في المناطق الصحراوية خاصة في الصحراء الغربية بمحافظة الأنبار، وفي بادية السماوة، وغيرها من المناطق الجنوبية، إذا توفرت له الظروف المناخية المناسبة كالأمطار المصحوبة بالرعد والبرق دون تدخل الإنسان في زراعته، وقد لوحظ وفرته في العام الماضي 2019 داخل الأسواق نتيجة للظروف المناخية الَتي ساعدت على إنباته، حتى وصل سعره إلى 3000 دينار للكيلوغرام الواحد (أقل من 3 دولارات) أو أقل من ذلك حسب مناطق بيعه.

ويعدّ العراق واحدًا من أكثر بلدان العالم الَتي يتواجد فيها الكمأ، إذ يتوفر بكثرة في حقول الصحراء الغربية وبعض مناطق وسط وجنوب البلاد، مطلع موسم الربيع من كل عام. وفي حال كانت هناك أمطار غير مصحوبة بالبرق والرعد فلا تجدي نفعاً في نموه، أي إنّ السبب المهم في وجود الكمأ هو حدوث البرق الذي يعمل على إظهاره على شكل تشققات على سطح الأرض.

ويقول عبد الله طارق (37 عاماً) من سكان السماوة العاصمة المحلية لمحافظة المثنى جنوبي العراق، إنه أخذ أسرته إلى قرب بادية السماوة (على الحدود مع السعودية) للبحث عن الكمأ، ويضيف لـ"العربي الجديد"، "حصلنا على أكثر من 3 كيلوغرامات، لكن المتعة كانت بتغيير الجو وركض الأولاد بالبادية وهم يبحثون في الأرض عنه، بعيداً عن أجهزة الآيباد والهاتف"، مؤكداً نيته الذهاب الأسبوع المقبل للأمر ذاته.

أما سكان محافظة الأنبار القريبون من أماكن توفره، فيتسابقون على جني الكمأ، لا سيما في شهر مارس/ آذار من كل عام، أو خلال توفره في الصحراء، وفي الغالب تنتهي الرحلة بجني عدة كيلوغرامات.

عماد عباس من سكان محافظة الأنبار، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ جني الكمأ "يعد هواية للكثير من سكان محافظتنا، فهو ليس حكرًا على شخص دون الآخر ويمكن جنيه إما لبيعه في الأسواق أو لطبخه كوجبة طعام أو تخزينه مجمدًا وتناوله خلال أشهر السنة، وذلك لتميز مذاقه وندرة وجوده، لأنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمطار الرعدية الغزيرة التي تتسبب في إنباته".

ويتابع "يقصد الكثير من الناس الصحراء الغربية في موسم الربيع لجني الكمأ، إذ تمثل تلك الرحلة نزهة مثمرة يمكن من خلالها جني بعض الكيلوغرامات من الكمأ دون الحاجة لشرائه بأسعار مرتفعة"، ويشير إلى أنّ الأسعار تتفاوت من منطقة إلى أخرى ومن بائع لآخر، وكلما اقترب المشتري من مصدر الكمأ كلما كان السعر أقل من الأسواق التي تستغل ندرة نقاط البيع وكذا حجم النبات ونوعه"، ويوضح أيضاً أنّه "كلما كان حجم الثمرة أكبر ازداد السعر وغالباً ما يتوفر بما بين 10 إلى 30 ألف دينار أي نحو 27 دولارا للكيلوغرام الواحد، وقد تجده بدولار في بعض نقاط البيع نظرًا لتلفه تقريباً أو لصغر حجمه".


"في كل عام نحرص على الحصول على الكمأ، فأغلب أفراد العائلة يحبون هذا الفطر الطبيعي" تقول أم صلاح من سكان محافظة ديالى شمال شرق بغداد، وتتابع "نبتاع الكثير منه وبمختلف الأسعار لأننا نقوم بتخزينه وإرساله للأهل ممن هم خارج البلاد، حيث يعد وصوله إلى دول بعيدة للمغتربين العراقيين أعظم هدية يمكن تقديمها لعشاق الكمأ".


وتوضح أم صلاح، لـ"العربي الجديد"، أنّ الكمأ يدخل في إعداد الكثير من الأكلات العراقية منها "المخلمة"، حيث يتم تقطيعه بعد تنظيفه جيداً وسلقه وقليه في الزيت مع البصل وبعد نضجه يمكن وضع الطماطم أو البيض ليقدم كوجبة فطور أو وجبة عشاء، وهناك من يقوم بعمل وجبة "البرياني"، وإدخال الكمأ كعنصر أساسي بدلاً من اللحم، ويمكن طبخه كوجبة غداء، وذلك بتقديمه كنوع من المرق مع طبق الأرز مسلوقاً، يضاف إليه البصل المحمر وأي نوع من البهارات أو بدونها مع قليل من الملح. 



يمتاز الكمأ بطعمه "المميز والفريد"، بحسب أم صلاح، ويمكن الحديث عن نوعين منه؛ القريب من الأراضي الكلسية يكون لونه أبيض ويسمى "الزبيدي" ويمتاز بكبر حجمه، أما الموجود في التربة الحمراء فصغير الحجم ويسمى "الأحرق" أو "الجبا" ولونه بني غامق وغالباً ما يكون أملس ويسهل تنظيفه خلافاً للنوع الأول الّذي يدخل التراب في تجاويفه.