عمّال القهر داخل فلسطين المحتلة:موت مجاني لتأمين لقمة العيش

عمّال القهر داخل فلسطين المحتلة:موت مجاني لتأمين لقمة العيش

01 مايو 2016
حواجز الاحتلال تضيّق على العمال الفلسطينيين (Getty)
+ الخط -
في اليوم العالمي للعمال. استغلال واضطهاد يصل إلى حد العبودية. لقمة عيش العمال الفلسطينيين مغمسة بالدم، وإنسانية مفقودة على حواجز الاحتلال. حصار ودمار يزيد من المعاناة. من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، عمال بلا حقوق، أجور متدنية، ومأساة يعيشها شعب بكافة تفاصيلها.

حصار غزة
منذ أكثر من 15 عاماً، يعيش عمال قطاع غزة أوضاعاً اقتصادية صعبة. غياب فرص العمل، تدني الأجور، اضطهاد وطرد تعسفي، وما زاد من مرارة واقعهم الحصار الاقتصادي الذي تفرضه سلطات الاحتلال.عبد الكريم يوسف (28 عاماً) يعمل في مجال دهان البيوت منذ 10 سنوات. يقول لـ "العربي الجديد": أعيش الآن أصعب الأوقات، لا أذكر أنه مر علينا أوضاع صعبة تشبه التي نعيشها اليوم، لا يوجد أي فرصة للعمل، وفي حال توفرت تكون لأيام متقطعة فقط، مشيراً إلى أنه مسؤول عن عائلة بأكملها، من أب وأم وأربع إخوة.
يضيف عبد الكريم: "أحلم بالزواج منذ فترة طويلة، ولم أتمكن من ادخار أي مبلغ، آملُ أن يتبدل واقع القطاع، ويتحسن الوضع الاقتصادي".
يعيش في غزة قرابة مليوني مواطن، منهم 220 ألف عاطل عن العمل، فقدوا أعمالهم بسبب الأوضاع السائدة. فقبل العام 2000، كان قطاع غزة يصدر اليد العاملة إلى الخارج، لم يكن هناك أي قيود لانتقال أهل القطاع إلى دول عديدة، ووفق الأرقام، فقد عمل نحو 180 ألف شاب في دول عربية مختلفة.
إلى جانب المعاناة بسبب غياب فرص العمل، تظهر صورة أخرى أكثر مأسوية، تتلخص في غياب عوامل السلامة المهنية، فقد تم تسجيل عدد كبير من الوفيات بسبب ممارسة أعمال خطرة، تتمثل في حفر الأنفاق وأعمال البناء والتشييد. فقد العامل كامل عبيد (35عاماً) من سكان حي الشجاعية حياته، بسبب عدم استخدام الأدوات الخاصة بالسلامة المهنية. توفي بعد سقوط سقف مبنى قيد الإنشاء في جامعة الأقصى، ليترك وراءه زوجة و8 أبناء. يقول والده الحاج نعيم عبيد: "فقدت ولدي وهو في ريعان شبابه، ولم يعد لنا أي معيل، نعيش وأبناؤه الثمانية أوضاعاً صعبة للغاية". ويضيف: "رفعنا دعوى للحصول على تعويض، ومازلنا ننتظر نتائج القضية".

يحمل الخبير الاقتصادي سمير أبو مدللة مسؤولية غياب السلامة المهنية للعمال إلى كل من وزارة العمل الفلسطينية واتحاد نقابات العمال، إذ يتحملان مسؤولية غياب إجراءات السلامة على المنشئات، ومعاقبة أصحاب العمل في حال التخلف عن توفير هذه الإجراءات، مشيراً إلى أن غياب الوزارة والنقابة، ساهم في ارتفاع عدد الإصابات والوفيات".
إلى ذلك، يعتبر أبو مدللة أن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، ساهم بشكل كبير في تردي أوضاع العمال، ويقول لـ "العربي الجديد": تسبب الحصار منذ العام 2007، في توقف دخول المواد الخام، بالإضافة إلى الحروب المتتالية، وتدمير الكثير من المصانع، ما رفع من نسبة البطالة في قطاعات عديدة، محذراً من تفاقم الأوضاع، خصوصاً بعد منع سلطات الاحتلال دخول مواد البناء إلى غزة، الأمر الذي أحدث شلل فئة كبيرة من العمال".
أما بالنسبة إلى التوظيف في القطاع العام، يقول أبو مدللة: "أوقف القطاع العام التوظيف منذ سنوات، بسبب إجراءات المانحين التي تمنع توظيف أشخاص جدد داخل أروقة السلطة الفلسطينية، ما زاد من نسبة البطالة".
ويطالب أبو مدللة بضرورة رفع الحصار، كونه يساهم في تنشيط حركة العمل في القطاع الخاص الذي يعتبر المشغل شبه الوحيد في غزة، كما يتطلب من السلطة الفلسطينية تحديث القوانين والتشريعات، بحيث يكون لديها بند التقاعد المبكر لبعض كبار السن، حتى تستطيع توظيف مجموعة من الخريجين الجدد وتوفير مشاريع مستدامة تستوعب الكثير من العمال.

تفشي البطالة
يرصد رئيس نقابات عمال غزة، سامي العمصي، عدد العاطلين عن العمل في القطاع، ويقول "يوجد حوالي ربع مليون عاطل عن العمل في قطاع غزة، ما يعني أن قرابة مليون أسرة محرومة من الدخل اليومي، وقد تسبب هذا الواقع في ارتفاع نسب الفقر بين العمال إلى أكثر من 70%، فيما وصلت البطالة إلى نحو 50%، وهي أعلى نسبة في العالم مقارنة بوجود قرابة مليوني مواطن في غزة".

ويضيف العمصي لـ "العربي الجديد": لا تقف حدود معاناة العمال، في غياب فرص العمل وحسب، بل تسببت الإجراءات الإسرائيلية في منع دخول العديد من المواد، كالأخشاب والإسمنت وأدوات الحدادة والدهان، في القضاء على أمال أصحاب الورش البسيطة، والمشاريع الصغيرة، فأصبحوا أيضاً في تعداد العاطلين عن العمل".
أما بالنسبة إلى الأجور، فحدث ولا حرج، وبحسب العمصي، لا يوجد حد أدنى للأجور في غزة، إذ يتقاضى العمال ما يقارب 100 دولار شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي لسد الحاجات الأساسية، لذا طالبنا بضرورة استصدار قانون للحد الأدنى كما هو الحال في الضفة الغربية.


تمييز عنصري
داخل أراضي الـ 48، يستذكر العمال الفلسطينيون هذا اليوم بذكريات أليمة، بسبب القهر والإذلال خلال بحثهم عن لقمة العيش. أكثر من 16 عاملاً فلسطينيّاً لقوا مصرعهم خلال العام الماضي، فيما أصيب العشرات بسبب حوادث العمل الناجمة عن غياب معايير السلامة المهنية.
يرصد تقرير للقناة الثانية الإسرائيلية ما يتعرض له العمال الفلسطينيون على حاجز قلنديا الاحتلالي، حيث يقف كل ليلة آلاف العمال الفلسطينيين ساعات على حاجز قلنديا شمال القدس، على الرغم من أن الرحلة القصيرة لمكان العمل، لكنها تحولت لساعات طويلة واكتظاظ". يقول أحد العمال" أستيقظ عند الساعة 3:30 فجراً للتوجه إلى العمل، وأنتظر ساعات على الحاجز".
يصطف عشرات العمال الفلسطينيين في طابور طويل عند بوابات حديدية، بانتظار السماح لهم للدخول إلى أراضي الـ 48. فتبدأ الرحلة الشاقة لعشرات آلاف العمال، الذين يغادرون منازلهم باكراً، ولا يعودون إلا في ساعات متأخرة".
أحد عشر حاجزاً، يقطعها العمال يومياً من شمال فلسطين حيث حاجز "الجلمة" في جنين مروراً بحواجز ومعابر "الطيبة" و"قلقيلية" و"نعلين" و"حزما" و"الجيب" و"الخان الأحمر" وصولاً الى حاجز "ترقوميا" المرعب، حيث العنصرية والاضطهاد في انتظار العابرين.
يقول الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، لـ "العربي الجديد": إن العمال الفلسطينيين يعانون ويلات الاحتلال وإجراءاته القمعية، فهو يمارس أبشع أنواع العقاب الجماعي على العمال، مشيراً إلى أن العمال يتعرضون إلى الإذلال والابتزاز، وهو أمر مرفوض، منوهاً بدور العمال الفلسطينيين في الاقتصاد، إذ يؤمنون نحو 20% من الدخل القومي.
يؤكد محمد العطاونة، ناشط في الإعلام النقابي، وجود انتهاكات فاضحة وعنصرية ضد العمال الفلسطينيين داخل أراضي الـ 48، ويقول: "تذكرنا هذه الانتهاكات بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث يوضع ملصقات للعمال تشير إلى أنهم فلسطينيون لتمييزهم عن اليهود والأجانب." ومن أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها العمال وفق العطاونة، غياب الحقوق والتأمينات، بالإضافة إلى المطاردة والتفتيش، وغياب شروط الصحة والسلامة العامة في المنشآت".
يرصد عرفات عمرو من جمعية "عنوان العامل" المتخصصة في متابعة شؤون العمال الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلية تسجيل مئات الانتهاكات يومياً، على الرغم من أن القانون الإسرائيلي واضح، إلا أن أصحاب العمل يمارسون انتهاكات واضحة، مشيراً إلى أن قانون العمل الإسرائيلي منصف بحق الإسرائيليين، لكنه مجحف بحق العمال الفلسطينيين، فالحد الأدنى للأجور في إسرائيل، لا يتعدى 25 شيكلاً، أي ما يقارب نحو 8 دولارات في الساعة الواحدة.
ويقول" ينقسم العمال في فلسطين إلى فئتين"عمال بتصاريح إسرائيلية قانونية، وعمال لا يتمتعون بأي تغطية قانونية، لافتاً إلى أن عدد العمال الفلسطينيين يصل إلى نحو 150 ألف عامل تقريباً، يعمل 60 ألف عامل بتصاريح قانونية، ويخضعون لقانون العمل الإسرائيلي، فيما هناك 15 ألف عامل يعملون دون تصاريح".
يتوزع العمال في قطاعات عديدة، إلا أن معظمهم يعملون في قطاع البناء والتشييد، حيث تصل نسبتهم إلى نحو 70%، فيما يعمل نحو27% في القطاع الزراعي، ويتوزع نحو 3% في مجالات متعددة.
لا تقتصر معاناة العمال داخل أراضي الـ 48 أو داخل المستوطنات الإسرائيلية، بل تمتد المعاناة لتشمل العاملين في الأراضي الفلسطينية، حيث تصدح أصوات جموعهم في التظاهرات والفعاليات النقابية مطالبين بحقوق تتمحور حول توفير فرص عمل، وتحديد حد أدنى للأجور لمواجهة الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، وإقرار قوانين للحماية الاجتماعية وصولاً إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
ويكشف الأمين العام لاتحاد النقابات المستقلة محمود زيادة وجود نحو 340 ألف عامل في القطاع الخاص، يخضعون لقانون العمل الفلسطيني، يتقاضى 34% منهم أقل من الحد الأدنى للأجور المنصوص عليه، والمتمثل بنحو 1450 شيكلاً، ما يعادل 380 دولاراً، كما أن 75% من هؤلاء العمال لا يحصلون على أبسط الحقوق، كمكافأة نهاية الخدمة، والإجازات، أضف إلى ذلك، هناك 75% من العمال لا يتمتعون بالتأمينات الصحية. ويقول زيادة : "تتسبب هذه الانتهاكات بخسارة نحو مليار دولار تقريباً سنوياً، تسرق من جيوب العمال لصالح أصحاب العمل في ظل غياب الإرادة لتنفيذ القوانين بسبب غياب المحاكم المتخصصة بالعمال، وضعف الموارد البشرية في وزارة العمل لتنفيذ القوانين".

المساهمون