"جزيرة الأحلام" الروسيّة: تذاكر دخول إلى الكابوس

"جزيرة الأحلام" الروسيّة: تذاكر دخول إلى الكابوس

18 مارس 2020
انتقادات لأسعار تذاكر الدخول (Getty)
+ الخط -
بمراسم افتتاح قيصرية، حضر الرئيس فلاديمير بوتين، نهاية الشهر الماضي، افتتاح "جزيرة الأحلام" في جنوب شرق العاصمة الروسية موسكو. وبعد أربع سنوات من العمل، أخفق المصممون في تحقيق حلم كان يراود الزعيم السوفييتي نيكيتا خرتشوف في بناء مدينة ملاهي تحاكي "الحلم الروسي" على غرار "ديزني لاند"، بعد زيارته الشهيرة إلى الولايات المتحدة في عام 1959، وتأثره بمظاهر حياة البشر المرفهة في العالم الرأسمالي. 

وبعد اقتطاع غابة كبيرة، لإفساح المجال لـ"جزيرة الأحلام"، ظهرت سبع قباب زجاجية مرتفعة في منطقة صناعية على ضفاف نهر موسكو، وأمامها مرأب ضخم للسيارات نال نصيبه من سخرية المعلقين الروس، وواجهة لم تنجح في محاكاة التصاميم الأوروبية، أو أبهة العمارة في العهد القيصري الروسي، فخرجت في شكل "مسخ" ببوابات تقود إلى مركز تجاري ضخم، تحتاج الأسرة الروسية لشراء تذاكر باهظة الثمن لدخوله والتجوال بين المحال التجارية والمطاعم التي تحتل ثلثي مساحة المدينة الترفيهية.

وفي مراسم لا تقل شأناً عن افتتاح قاعدة إطلاق المركبات الفضائية الروسية "فوستوتشني"، أو افتتاح جسر "كيرتش"، الذي ربط بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم، كان الرئيس بوتين، يصحبه رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين، أول من وطأت قدماه "جزيرة الأحلام" الروسية، في مراسم احتفالية ضخمة، دعي إليها عدد ضخم من الصحافيين الروس، وأطفال من ملاجئ الأيتام والأسر الفقيرة.

وكشف سوبيانين، أثناء جولته مع بوتين، أن بناء مدينة الملاهي الروسية استغرق اكثر من ثلاث سنوات، بكلفة وصلت إلى 1.5 مليار دولار من أموال مستثمرين من القطاع الخاص، مشيراً إلى أن الصرح يعد أكبر مدينة ملاهي في العالم. وتبلغ مساحة المدينة 100 هكتار، منها 56 هكتاراً مخصصة لركن سيارات الزوار، في حين تزيد مساحة "ديزني لاند" بالعاصمة الفرنسية باريس عن "جزيرة الأحلام" الروسية بـ44 ضعفاً، وتبلغ 1943 هكتاراً.

ووفق ما نقله صحافيون روس عن زوار الحديقة الترفيهية، لم يقتصر الخداع على حجم مدينة الملاهي، إذ اتضح أن ثلثي مساحة الصرح الترفيهي الروسي يحتلها نحو 300 متجر ومطعم، فيما تقتصر أماكن الترفيه واللعب للأطفال على مساحة صغيرة في الجزء الأخير من "جزيرة الأحلام"، تضم نماذج قديمة من الألعاب، مع شخصيات كرتونية من ثمانينيات القرن الماضي، مثل السنافر وسلاحف النينجا، وعدد من الديناصورات يتوسطها فتى الأدغال ماوكلي، إضافة إلى ملكات الثلج، وتخلو من الشخصيات الكرتونية المعاصرة، بسبب فشل الإدارة في الاتفاق مع شركة "دريم ووركس" الأميركية، على استخدام شخصيات أفلامها الكرتونية، في حين رفضت شركة "ديزني" الأمر من حيث المبدأ، حسب مصادر مقربة من القائمين على المدينة الترفيهية.

المشروع "الوطني" تم برعاية وإشراف عمدة المدينة سوبيانين الراغب في أن يسجل في إنجازاته ما عجز عنه سابقوه، فجزء كبير من مكان "جزيرة الأحلام" كان مسرحاً لتغيرات درامية منذ الستينيات؛ إذ تحول من مكب نفايات مصنع "زيل" للسيارات إلى حديقة للتنزه مع غابة افتتحت بمناسبة الذكرى الستين لانتصار ثورة 1917، ولاحقاً أضيفت إليه ملاعب رياضية وبحيرات للقوارب أثناء استعداد العاصمة لاستضافة أولمبياد موسكو 1980، ومع فوضى التسعينيات، تحولت إلى سوق تجاري ومخازن للبضائع، قبل أن تؤجر للمالك الجديد، رجل الأعمال الروسي أميران موتسويف، نجل النائب بمجلس الدوما الروسي (البرلمان)، زليم خان موتسويف، الذي أراد أن يبني "جزيرة الأحلام" الروسية لتكون صرحاً تفخر به روسيا، ولتوفير ملايين الدولارات التي تصرفها الطبقة الوسطى التي تقصد فرنسا لزيارة "ديزني" أو دول أخرى.

وبدا موتسويف غاضباً مربَكاً، في يوم الافتتاح، بعد تعطل البوابة الرئيسية لمدينة الملاهي، وعدم تمكن العاملين من فتحها، ما اضطر الزوار إلى الوقوف في طوابير استمرت لساعات لدخول "جزيرة الأحلام" من أبواب جانبية، بالإضافة إلى تعطل عدد من الألعاب الترفيهية. ورداً على أسئلة الصحافيين المحرجة وانتقاداتهم، رد الملياردير الروسي صارخاً: "إذا كان الأمر لا يعجبكم، بإمكانك المغادرة إلى بيوتكم".

ورغم تصريحات "البرجوازي الوطني" بأن أسعار الدخول مناسبة جداً وأقل بكثير من "ديزني باريس" على سبيل المثال، وتأكيده أن الأسعار درست لمراعاة ذوي الدخل المحدود، اشتكى الزوار من الأسعار الباهظة لتذاكر الملاهي، إذ بلغت كلفة استخدام ثلاثة ألعاب من أصل 27 متاحة، 2600 روبل (40 دولاراً) للأطفال، و2900 روبل (45 دولاراً) للبالغين. واضح أن هذه الأسعار التي تعادل الحد الأدنى للمعيشة في موسكو بالنسبة لعائلة مكونة من أربعة أفراد، لن تساعد القائمين على المشروع بجذب خمسة ملايين من سكان العاصمة وزوارها الأجانب، إضافة إلى 2.5 مليون من مقاطعات روسيا وجمهورياتها سنوياً، خاصة أن مستوى الدخل في المدن الروسية أقل بكثير من موسكو.

وفي حين أعرب عدد من سكان المنطقة عن أسفهم على "غابة كاملة تم اقتلاع أشجارها وتشريد حيواناتها وطيورها" من أجل بناء "جزيرة الكوابيس" هذه، عمّت وسائل التواصل الاجتماعي موجة من السخرية تجاه بناء وشكل وتسمية ومحتوى مدينة الملاهي الروسية الجديدة، حتى أنها طاولت ساحة ركن السيارات أمام الملاهي التي شغلت مساحة أكبر من مساحة مدينة الترفيه المغلقة.

وفي لهجة تهكم، علق أحد الروس على "تويتر": "يبدو أن جزيرة الأحلام مرأب للسيارات، تم في نهايته تصميم واجهة جميلة كي لا يمل السائقون عند ركن سياراتهم". وتساءل كثيرون لماذا لم يعمل المصممون على بناء كراج طابقي، والمحافظة على جزء من الغابة وتحسينها.
وانتشر بين الروس تعليق "على قدر الحلم تأتي الجزيرة"، وذهب بعض رواد مواقع التواصل إلى المقارنة بين واجهة "ديزني لاند" وواجهة "جزيرة الأحلام"، مشيرين إلى أن المصممين الروس لم يكتفوا بسرقة تصميم قصور ديزني، بل نفذوه بطريقة بشعة للغاية.

وردا على الانتقادات على الإنترنت لمشروعه، غرّد مالك "الجزيرة" أميران موتسويف على تويتر قائلاً: "المظهر الخارجي الأسطوري لا يناسب بلادنا. تعمدنا إظهار الروح الروسية فيه. لقد درسنا ألف مخطط تصميم من أفضل دور التصميم الأوروبية، وفي النهاية اخترنا هذا. عليكم أن تتعايشوا معه، وفي النهاية ستتعودون".

ومن أجل إثبات أن كل الطرق تؤدي إلى "روما الثالثة"، تضم "جزيرة الأحلام" الروسية أربعة شوارع تحاكي واجهاتها الطراز المعماري لشوارع مدن وعواصم عالمية، هي لندن وروما وبرشلونة، وبيفرلي هيلز في لوس أنجليس، تقود جميعاً إلى ساحة موسكو في مركز المدينة المغلقة.

المساهمون