استثمارات بمليارات الدولارات تغادر الأردن... ما الأسباب؟

استثمارات بمليارات الدولارات تغادر الأردن... ما الأسباب؟

23 يوليو 2016
مطالب بتطوير بيئة الاستثمار الأردنية (ليلى غورشف/ فرانس برس)
+ الخط -
ما هي الاستثمارات التي يحتاجها الأردن؟ ووفق أي أولويات؟ وما الإجراءات التي اتخذت لتحويل الأمنيات إلى واقع تلمس البلاد آثاره على صعيد التنمية؟ ولماذا يفضّل رأس المال المحلي الاستثمار خارج البلاد على الرغم من التسهيلات التي تقدمها الحكومة للمستثمرين كما تقول؟ 
لا يبدو أن الإجابة عن هذه التساؤلات قادرة على الإحاطة بما يدور داخل أروقة الحكومة وخلف أبواب مكاتبها. إذ إن الأردن انتهج مبدأ الخصخصة، وانضم إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية في نيسان عام 2000، ودخلت اتفاقية منطقة التجارة الحرة بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية في التنفيذ في كانون الأول/ ديسمبر 2001، وبدأ تنفيذها بالكامل في كانون الثاني/ يناير 2010، فضلاً عن إبرام معاهدة الاستثمار الثنائي معها في عام 2003، ولاحقاً إعلان مبادئ للاستثمار الدولي وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأخيراً نجاحه في وضع خطة عمل مشتركة للتجارة والاستثمار.
وبرغم كل ما تقدم لا يزال ينظر إلى قطاع الاستثمار نظرة شمولية، ويتحدث عنه بالعموميات المفتقرة إلى برامج محددة، أو استراتيجية بعيدة المدى،
تبرز مزايا المملكة والقطاعات المؤهلة للاستثمار فيها، كأولوية ومردود وكقيمة مضافة.
في العام الماضي أقرّ البرلمان الأردني تعديلات على قانون الاستثمار الذي قدمته الحكومة، وصدر بنسخته الأخيرة معتمداً مبدأ النافذة الواحدة، إلى جانب تسهيلات أخرى، وَحّدَد فيها المرجعيات ذوات العلاقة، وقدم مزايا وإعفاءات مغرية، بهدف تنشيط القطاع، واستمالة رأس المال الأجنبي، وإفساح المجال أمام الرأسمال الوطني لتنفيذ مشروعات تدعم خطط التنمية وتصحح معدل النمو الذي تراجع من 2.7% إلى %2.5، إلى جانب تقليص حجم البطالة التي تراوحت نسبتها بين 13-12% و باتت بتراكماتها واحدة من أهم المشكلات التي تعاني منها البلاد.

ووفق الخبير الاقتصادي خالد العبد لم تحقق الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت إلى المملكة خلال السنوات العشر الأخيرة، النقلة الاقتصادية المرجوة، فيما اقتصرت استثمارات الرأسمال المحلي على مشروعات استهلاكية، باستثناء بعض المشاريع الصناعية، التي وجدت في السوق - بفعل ارتفاع تكاليف مدخلات إنتاجها وتكاليف أسعار الطاقة وأعباء الضريبة - مستوردات تنافسها على صعيدي السعر والجودة.

ما تقدّم دفع رجال الأعمال نحو استثمار أموالهم في القطاع العقاري، والذي شهد نهضة ملموسة منذ عام 2003 أي منذ أزمة العراق وما بعدها، لكنه هو الآخر عانى في السنتين الأخيرتين من ركود، بسبب الارتباكات الناجمة عن قرارات تتعلق بأنظمة البناء، لم تكن في صالحه، كما يقول العبد لـ "العربي الجديد". فـ"انتقلت عشرات شركات الإسكان إلى خارج المملكة، وأصبح الرأسمال المحلي يبحث عن بيئة أخرى ينمي فيها أمواله".

وتقدر قيمة رؤوس الأموال الأردنية التي غادرت، حسب بيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، نحو 4.3 مليارات دولار، توزعت على 31 دولة،
في مقدمتها الإمارات والمملكة العربية السعودية وإندونيسيا والعراق ومصر، واستثمرت في 108 مشاريع، فيما وفرت نحو 14.6 ألف فرصة عمل، يضاف إليها استثمارات في 41 مشروعاً، وفّرت هي الأخرى 7.5 آلاف فرصة عمل. كما بلغ حجم استثمارات الأردنيين في القطاع العقاري خارج المملكة، وفق بيانات جمعية مستثمري قطاع الإسكان نحو 2 مليار دولار، تركز معظمها في الإمارات.
ويعكس تصدر المستثمرين الأردنيين قائمة المستثمرين العرب في دبي، للسنة الثالثة على التوالي، حسب الخبير الاقتصادي محمد الناصر، أهلية رأس المال الأردني ودوره الريادي في إطلاق مشاريع متنوعة وناجحة، متى توفرت البيئة الاستثمارية المشجعة.

ويشرح لـ "العربي الجديد" أن "أول ما يبحث عنه رجل الأعمال عندما يرغب في استثمار أمواله، هو المردود، ولا يتأتى المردود الجيد إلا عبر قلة المخاطر والتكاليف، ووجود سوق مدروس لتصريف المنتج، يلبي حاجة البلد الفعلية، إلى جانب سلة متكاملة من التسهيلات، تقدمها الحكومة لتحفيز المستثمرين على تنويع منتجاتهم".
ويرى أن بيئة الأعمال في المملكة لا تزال غير مشجعة بالنسبة لبعض المستثمرين المحليين، وكذلك الأجانب، بسبب عدم استقرار التشريعات الناظمة، وحجم الضرائب، وارتفاع التكلفة، وتفشي ظاهرتي استغلال المنصب والرشوة كعنوانين بارزين على صعيد ملف الفساد.
وبعد تحسن تصنيفه، حل الأردن في المركز الثاني عربياً على قائمة مؤشر الشفافية الدولية للفساد، مسجلاً 53 نقطة في عام 2015 مقابل 49 نقطة عام 2014، والمرتبة الرابعة عربياً والـ 46 عالمياً في مؤشر الحرية الاقتصادية.
لكنه تراجع عام 2016 وفق تقرير مجموعة البنك الدولي لأنشطة الأعمال 6 مراتب عن ترتيبه في عام 2015، وحصل على المرتبة 113 مقابل المرتبة 107 في العام المنصرم، بعد تباين أداء مؤشرات فرعية، هي بدء النشاط التجاري، واستخراج تراخيص البناء، والحصول على الكهرباء، والحصول على الائتمان، وحماية صغار المساهمين، ودفع الضرائب، والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار.

ويعد مؤشر أنشطة الأعمال فرصة، وفق تعبير الخبير الاقتصادي عبد العزيز الضلاعين، لتصحيح المسار وتوجيه البوصلة بطريقة صحيحة، كي يتجاوز الاقتصاد حالة العجز، وتتوفر بيئة مناسبة تستقطب أموال المستثمرين المحليين قبل غيرهم، وتشجعهم على إنشاء مشروعات منتجة، ذات قيمة مضافة، تدعم النمو، وتحد من نسبتي الفقر والبطالة.
ويشرح لـ "العربي الجديد" أن الرأسمال المحلي اختار في ظل الظروف الراهنة أن يسلك طريقين درءاً لأية مخاطر محتملة، فإما أن يهاجر لكي يستثمر خارج المملكة، وإما أن يودع أمواله في المصارف، وقد بلغ حجم إيداعات الأردنيين نحو 30 مليار دينار – أي ما يعادل 42 مليار دولار، ولو جرى تحويل هذا الرقم إلى مشاريع استثمارية، لتغيرت الأوضاع كثيراً، واستعاد الاقتصاد الأردني عافيته.
ويرى أنه لا يمكن لرؤوس الأموال المهاجرة أن تعود ما لم تتأمن بيئة أعمال جيدة، وما لم يتوافر المناخ الاستثماري المناسب لإقامة مشاريع، لا تشهد عراقيل من البيروقراطية الحكومية والمزاجية في بعض الأحيان.
وتوظف هيئة الاستثمار الأردنية طاقاتها لخلق بيئة استثمارية جاذبة ذات جدوى اقتصادية، بعد أن تم إقرار قانون الاستثمار، ومع نفاذ نظام خفض ضريبة الدخل، في المناطق الأقل نمواً لسنة 2016، وذلك من خلال خفض ضريبة الدخل في المناطق الأقل نمواً في المملكة، وتحديد أسس الخفض ومدته، بالإضافة إلى تحديد الأنشطة المستثناة في هذه المناطق، وتقديم مزايا وإعفاءات لعدد من القطاعات، أبرزها قطاع تكنولوجيا المعلومات.

المساهمون