السوريون والحرب الظالمة

17 مارس 2015
+ الخط -

قبل أربع سنوات، خرج السوريون في مارس/آذار عام 2011، يطالبون بالمساواة وعدم احتكار السلطة، وترسيخ مبدأ العدالة، والقضاء على فكرة ابن الست وابن الجارية التي كانت سيفا مسلطا على المبدعين وأصحاب الكفاءات.
فبدأت الحناجر تصرخ بثورة الشعب الواحد، وتغنت بكلمات شقت، بعنفوانها، جدران الظلم الذي عشعش في قلوبهم عشرات السنين، جاعلا منها ليلا حالك السواد.
أغنيات بددت تلك الظلمة، فكسرت قيود الخوف، وحررت الملايين من زنازين العبودية، فبات السوريون يعشقون الرقص في ساحات المظاهرات المليئة بالموت، والمغمسة بالدم على الرفاهية الزائفة، وشعارات المقاومة البراقة التي سلبوا بها حقهم في أن يكونوا مواطنين من الدرجة الأولى.
كل هذا الحب الأبيض، والكفاح السلمي في سبيل خلاص الإنسان والوطن، قابله بطش آلة القتل الأسدية التي سعت إلى تدمير القلوب الحية التي نادت بالحرية، فكان القتل والذبح، الدمار والخراب، التشريد والضياع والذي تخللته حرب ضروس طاحنة، أجبرت السوريين على خوضها.
حيث سعوا إلى كسر مخالب الأسد التي انتهكت كل المحرمات، واستباحت باسم العلمانية كل المقدسات، وزرعت روح الطائفية وبذورها النتنة في الأجساد الطرية الغضة الممزقة على جنبات وطن ذبيح.
أدرك الأسد الابن أنه الخاسر الوحيد منها، وسعى إلى خلط الأوراق، وقلب الطاولة الإقليمية رأسا على عقب، في ظل الصمت العربي الذي كان يضمر ما لا يصدح به عن حق الشعب السوري في العيش الحر الكريم.
عمليات قتل دموية، موثقة بخناجر طائفية، وبلكنة طائفية مقصودة، شقت غشاء السمع السوري، أعقبها إخراج أبرز القيادات السلفية الجهادية السورية من السجون الأسدية، مع السماح لقاعدة الجهاد بالتوجه الفوري إلى سورية، توجه كان الدافع الأبرز له التدخل السياسي السافر لخامنئي في الشأن السوري، واستقدام النظام تعزيزات من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني ومليشيات شيعية من العراق وأفغانستان.
كان ذلك كله كفيلا بتغيير قواعد العمل الثورية، وطمس معالمه القائمة على العدالة والحرية، ليعلن، بذلك، بداية حرب إقليمية جديدة، حطامها الإنسان، وقوامها الموروث الفقهي الذي تحمله وتروجه الصقور الدينية في وجوب قتل الآخر الذي يعتبر سفك دمه أكثر تقربا إلى الله من قتال الاحتلال الإسرائيلي.
ومع استمرار الشحن الطائفي في سورية، امتد ليشمل، من جديد، العراق البلد المدمر والغارق، أصلاً، في وحل الطائفية التي رسّخها حزب نوري المالكي، التابع عقائديا لولاية الفقيه.
في ظل هذه التحديات التي أرست دعائمها الحرب الدينية التي زرعها نظام بشار الأسد، بمباركة عالمية، عجزت جماعات إسلامية كثيرة مقاتلة في سورية عن صناعة راية واحدة، لمواجهة الخطر الطائفي القادم من إيران ولبنان والعراق، والذي طالما شُحنت جندها في سبيله، ما أثر في وجودها على جبهات القتال، خصوصاً في حلب وحمص وريف الشام، بل إن بعض هذه الجماعات وجهت سلاحها لتقاتل جماعات إسلامية أخرى، بدعاوى دينية مختلفة؛ كان السبب الحقيقي وراءها يكمن، غالباً، في الغنيمة، والرغبة في الوجود وبسط النفوذ.
بينما فشل الجيش الحر المولود من رحم الثورة، والذي كان مؤهلا لأن يستلم الراية في صناعة رؤية شاملة لسورية المستقبل، بعد أن فقد كثيراً من رصيده الشعبي، جراء الصعود المتنامي للجماعات الإسلامية التي قلمت أظفاره ونزعت كثيراً من مخالبه برؤى دينية، طالما أتقنت ترويجها في قلوب الشعوب المتعطشة إلى رضا الله.
وفي خضم هذه المعضلات التي يعيشها المقبلون على أبشع طرق الموت في الداخل، وكذا المشردون في مخيمات اللجوء، والعائمون في أعماق البحر، فإن الحرب الظالمة ستحرق كل ما حولها، ولن تقف بحدودها عند بلد معين، بل ستلتهم المنطقة برمتها ما لم يدق العرب ناقوس الخطر، فيوحدوا كلمتهم لإنقاذ شعبٍ، كل جريرته أنه حلم يوما بالعدالة.

D861DA22-7918-488C-8181-923F9708CD77
D861DA22-7918-488C-8181-923F9708CD77
محمد نور (سورية)
محمد نور (سورية)