الشباب في الجزائر.. تطبيقات للهواتف تستلهم الحياة اليومية

الشباب في الجزائر.. تطبيقات للهواتف تستلهم الحياة اليومية

19 يوليو 2017
(في الجزائر)
+ الخط -

أصدر البروفسور كلاوس شواب، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"، كتابًا حول "الثورة الصناعية الرابعة"، قبل سنوات، وصف فيه ما يتعلق بهذه الثورة وملامحها في المستقبل، وتوقع أن تتغير الكثير من تفاصيل الحياة البشرية، من خلال تطوير تطبيقات رقمية على الهواتف الذكية تسهل حياة الناس وتخلق أنماطًا جديدة لاستهلاك السلع والخدمات.

وعلى غرار العديد من الدول التي تعمل على الإنتقال إلى هذه الثورة، بدأ العديد من الشباب الجزائري بتطوير وإطلاق تطبيقات رقمية عبر الهواتف الذكية الموجهة لفئات محددة من الناس وتوفر خدمات معينة، لتشكّل أحد ملامح التوجه نحو الثورة الصناعية الرابعة في الجزائر بشكل عام، رغم عائق ضعف تدفق الأنترنت.


منافسة قوية بين الشباب
وبرزت المنافسة القوية في تطوير التطبيقات الذكية بشكل كبير بين طلاب المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي بالجزائر خلال السنتين الأخيرتين، حيث تمكن  الطالب أمجد بلخيري سنة 2016 من تطوير تطبيق رقمي عبر الهاتف الذكي باسم "سمارت فارم" أو المزرعة الذكية، يعمل على التسيير الذكي للمستثمرات الفلاحية، من خلال مراقبة نشاط المزارع والتغيرات التي تطرأ عليها عبر إرسال رسائل نصية قصيرة تتضمن معلومات عن حرارة الطقس، نسبة الرطوبة ووضعية الوسائل والتجهيزات المستخدمة في المزرعة، وتربية المواشي والدواجن والانتاج الفلاحي.

يسهل التطبيق عمل المزارعين وتوجيههم لاتخاذ القرارات المناسبة بخصوص المحاصيل التي يجب زراعتها حسب التربة والمناخ، ويوفر معلومات عن المخزون، الزبائن والمتعاملين، إلى جانب تفعيل وسائط التسويق الإلكتروني بين المستثمرين والمنتجين من خلال بطاقة بيانية الكترونية حول نشاط المزارع. وفاز الشاب، بفضل تطبيق "المزرعة الذكية" بالجائزة الأولى في المسابقة الوطنية للابتكار وتكنولوجيات الإعلام والاتصال السنة الماضية، وسط 300 شاب منافس.

وفي الوقت الذي ينصب فيه اهتمام أمجد بعالم التغذية والفلاحة باعتباره يحتاج إلى تطوير رقمي، سجلت زميلته في نفس المدرسة الطالبة سارة لينا حموتان فوزًا في مسابقة الابتكار بفضل تطويرها لتطبيق رقمي باسم كوارتي يعمل على تسهيل الإجراءات الإدارية التي تعتبر من أكثر الأمور التي يعاني منها الجزائريون بالنظر إلى التعقيدات التي تتميز بها. وهو الأمر الذي دفع بالطالبة إلى التفكير في تطوير هذا التطبيق لحل المشكلة وتسهيل أمور الناس.

يسمح التطبيق بالحصول على وثائق إدارية بطريقة أسرع دون عناء التنقل إلى المكاتب، وبالتالي يوفر جهدًا ووقتًا، كما يساعد على ملء الاستمارات الإدارية عبر فيدوهات ووسائط توضيحية. يوفر أيضًا مجموعة متنوعة من الوثائق الإدارية التي يحتاجها الناس عادة، حيث يمكن تعبئتها بسهولة مثل نماذج من رسائل التحفيز والسيرة الذاتية والوكالات وغيرها.

يستوحي الشباب أفكار تطوير التطبيقات الرقمية عبر الهواتف الذكية من المشكلات والصعوبات التي يعايشونه يوميا في البيئة الجزائرية؛ ما يدفعهم للبحث عن حلول رقمية.


تطبيقات في جميع التخصصات
تتنوع التطبيقات الذكية التي يطورها الشباب الجزائريون، بين ما هو موجه إلى قطاع الفلاحة، وما هو موجه لقطاع الخدمات، ولكن هناك ما هو موجه أيضًا لذوي الاحتياجات الخاصة. وهي الفئة التي أثارت اهتمام الشاب إسلام عز الدين  منوشي، الذي قام رفقة زميليه بتطوير تطبيق عبر الهاتف النقال يحمل اسم "دليل" يساعد المكفوفين في التنقل والمشي من دون الحاجة للمس الأشياء وتحسسها.

بدأت الفكرة عندما لاحظ إسلام الصعوبات التي يواجهها غير المبصرين في السير والخروج والذهاب إلى الأماكن المختلفة؛ فقرر تصميم تطبيق يساعدهم على تجاوز ذلك باستغلال مهاراته في الإعلام الآلي باعتباره طالب ماستر في الإعلام الآلي بجامعة قسنطينة. ونجح الفريق بتطوير التطبيق الذي يعمر عبر كاميرا الهاتف النقال، على تحديد الأشياء الموجودة أمام المكفوفين في شكل رسالة صوتية وهكذا يتعرفون على الأشياء دون لمسها، ويسهل تنقلهم من مكان لآخر بمفردهم وتجنب الوقوع والاصطدام بما يوجد أمامهم، كما يسمح لهم بالتسوق وقضاء حاجاتهم بأنفسهم.

وأثبت التقييم الأول للتطبيق فاعليته العالية في الأماكن المغلقة مثل البيوت والمحلات، لأن الأشياء الموجودة فيها محدودة، مقارنة بالأماكن المفتوحة مثل الشوارع، التي يكون التنقل فيها أكثر تعقيدًا. وعمل الفريق الشاب على تطويره ليساعد المكفوفين على الخروج للشارع بشكل سهل، وعدم الاكتفاء بوصف وتحديد الأشياء التي تتميز بكثرتها، وإنما جعل "دليل" يصف وضعية هذه الأشياء هل هي ساكنة أو متحركة، والانتقال بعدها من وصف الأشياء منفصلة إلى وصف لقطات كاملة، ليصبح كأنه عين مبصرة توجه الأشخاص المكفوفين. ويسعى الشباب الثلاثة إلى إضافة خاصية جديدة في التطبيق لتحديد المسافة بين الأشياء وبالتالي قدرة المكفوف على التنقل بشكل آمن مثل "توجد سيارة على بعد 5 أمتار  تسير في اتجاه اليمين". وفاز التطبيق بجائزة أفضل مشروع ناشئ في الجزائر لعام 2016.

في عالم السيارات، أطلق الشاب "لمين أوباش" سنة 2017، أول تطبيق رقمي جزائري لتسهيل القيادة يحمل اسم "ويني". وانطلقت فكرة الشاب من مشكلة الازدحام الكبيرة التي يعاني منها الجزائريون وتدهور حالة الطرقات وغلقها بشكل متكرر بسبب أشغال الترميم المستمرة ما يجعل حركة المرور والسياقة معقدة، وبالتالي فإن تطوير تطبيق يسهل هذه العملية سيكون أمرا رائعًا. وتوصل لمين لتطوير تطبيق "ويني" الذي يسمح بمراقبة حركة السير أثناء القيادة ومشاركة المعلومات مع الأصدقاء، العائلة والسائقين، وتوفير معلومات للسائقين تخص الطرقات المغلقة، أماكن تواجد محطات التزود بالوقود، بؤر الازدحام، الطرقات الرئيسية والجانبية، وبالتالي توفير قيادة سليمة من شأنها الحد من حوادث المرور التي تسجل أرقامًا قياسية في الجزائر.

وفي مجال الاقتصاد، طور الشاب عادل أمالو تطبيق "دي زاد تيك"، الذي يسمح بشراء تذاكر الحفلات، المهرجانات، الأحداث الرياضية، المتاحف وغيرها من الهواتف الذكية عبر رسائل قصيرة وحل أزمة الانتظار والفوضى. من جهته، تمكن الشاب إيهاب الدين عماد وزميله حمداوي محمد، من تصميم أول تطبيق رقمي موجه للحرفيين في الجزائر، باسم "دي زاد أرتيزو". ويمكن من خلاله تواصل الحرفيين الجزائريين إلكترونيًا مع زبائنهم المحتملين، حيث يوفر معلوماتهم المهنية، قدراتهم، أرقام هواتفهم وعناوينهم. من جهة أخرى يسمح هذا التطبيق الرقمي للجزائريين بالوصول إلى حسابات الحرفيين بسرعة وبسهولة والتواصل والتنسيق معهم.

اهتمام الشابين بهذا التطبيق بالذات انطلق من صعوبة وصول الزبائن إلى الحرفيين كونهم لا يملكون طريقة للإعلان عن خدماتهم، من هنا كان على الشابين التفكير في تطوير تطبيق للتواصل مع الحرفيين.

من الواضح أنه لا يمكن حصر التطبيقات الرقمية التي يعمل الشباب الجزائري على تطويرها خلال السنوات الأخيرة، والتي تهدف إلى تغيير حياة الناس وتسهيل الصعوبات التي تواجههم في مختلف المجالات، ويبدو أن التفكير في إيجاد حلول رقمية لمشكلات الحياة اليومية أصبح يسيطر على تفكير هواة التكنولوجيا في الجزائر، إيمانا منهم بمرحلة "الثورة الصناعية الرابعة" أين سيكون لكل مشكلة حل رقمي.

المساهمون