العشائرية في الانتخابات الأردنية: دورٌ حاسم يضرب الأحزاب

العشائرية في الانتخابات الأردنية: دورٌ حاسم يضرب الأحزاب

14 سبتمبر 2020
بدأت أسماء تترشح من خارج إجماع العشيرة (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

تلعب العشائرية في الأردن الدور الأبرز للترشح إلى الانتخابات البرلمانية، والحصول على مقعد في مجلس النواب. ومع اقتراب موعد إجراء هذه الانتخابات، والمقرر في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تبدو الأبواب مشرّعة والظروف مواتية، لتشكيل مجلس نيابي، عموده الفقري مبنيٌ على الفرز العشائري، مع مزاحمةٍ متواضعة من أصحاب رؤوس المال. ويعرب مراقبون ومختصون عن اعتقادهم بأن سماح الحكومة الأردنية، ممثلةً بالحكام الإداريين في المحافظات، بشكلٍ علني، بإجراء انتخابات عشائرية داخلية (لتختار العشائر مرشحيها للانتخابات) في ظلّ جائحة كورونا كاستثناء مخالف لأوامر قانون الدفاع، يعزّز الاتجاهات العشائرية والمناطقية في الانتخابات التشريعية، ويُقلّل من فرص الترشح على أساس برنامجٍ حزبي سياسي.
وقال وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة، في تصريحات صحافية، إن قرار إجراء انتخابات عشائرية لا يخصّ الحكومة، بل هو شأنٌ عشائري، مؤكداً أن السلطة التنفيذية لم تُشّرع، كما لم تمنع، هذا الأمر. وأوضح المعايطة أن بعض العشائر طلبت الإذن من المحافظين في مناطقها لإجراء هذه الانتخابات، وتمّت الموافقة عليها في إطار إجراءات صحية معينة.

سمحت الحكومة بإجراء الانتخابات العشائرية في ظل جائحة كورونا

وتلعب العشائرية في الأردن، اليوم، أدوراً إضافية إلى جانب أدوارها الرئيسية، فهي تفرض نفسها بقوة على الساحة السياسية، وتعزز حضورها لتهمش الأحزاب والقوى السياسية، وتفرض نفسها بوضوح على مسرح الإعداد والتقديم والفرز الأولي للمرشحين. وحتى الحزبيين، أو أصحاب التاريخ الحزبي، يهرولون نحو عشائرهم، ويعودون إلى قواعدهم الانتخابية طلباً للدعم والتأييد والترشح باسمها، وهم بذلك يرضخون لعمليات الفرز التي تجريها العشيرة، والتي لا يستطيعون في معظم الأحيان تجاوزها أو التعدي على مخرجاتها.

في هذا الإطار، يشرح النائب نبيل غيشان، أن المجتمع الأردني هو "مجتمع عشائري، ونحن لم نتجه إلى تطوير قوانين الانتخاب لإنقاذنا من هذه العشائرية، بل العكس، إذ لا تزال العشائرية والمناطقية القوة الأهم للوصول إلى البرلمان، على الرغم من أننا نشتمها في الصباح والمساء". ويؤكد غيشان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العشائرية في الأردن قوة قائمة"، وأن "الحكومة بمؤسساتها تشجعها، بدليل أنه وفق قانون الدفاع، يمنع تجمع أكثر من 20 شخصاً بسبب كورونا، كما لا يسمح لأكثر من 10 أشخاص بالجلوس على طاولة واحدة في مطعم، فيما تنظم العشائر والدواوين انتخابات داخلية لاختيار مرشحيها لمجلس النواب المقبل، وهي تجمعات يحضرها أكثر من ألف شخص".

ويرى البرلماني الأردني، الذي لم يترشح للدورة المقبلة، أن "التشجيع الرسمي يتسبب بكسر الأحزاب والاتجاهات والسياسية المدنية ويضعفها، وهي التي من بإمكانها أن تخرج الجميع من هذا الواقع"، معرباً عن اعتقاده بأن "ما يبدو مطلوباً هو أن نبقى عشائريين ومتخلفين في مسيرتنا الديمقراطية". ويذهب غيشان للقول إن "مجرد النظرة والتفكير بالبعد العشائري أمرٌ مدمر"، مطالباً بمنع الانتخابات العشائرية الداخلية، وأن تصب الأصوات الشعبية في الصناديق الرسمية، ووفق قوانين الدولة. ويؤكد غيشان أن الفرز العشائري "يضر بالمنتج النيابي وبالحياة السياسية بشكل عام"، حتى ولو أن "بعض العشائر تُخرج أحياناً نواباً أكفاء، وقادرين على أداء الدور الرقابي والتشريعي"، جازماً بأن العشائرية التي كان مقبولة مجتمعياً وسياسياً في الأردن قبل عقدين أو أكثر، لم تعد مقبولة ومرحباً بها اليوم، ومطالباً الدولة بمنع الانتخابات التي تجرى حالياً لإفراز مرشحي العشائر. وبحسب رأيه، فإن المشكلة لا تكمن فقط في العشائرية، بل ترتبط بالمال السياسي، ما يؤثر كلّه على سمعة مجلس النواب.

من جهته، يرى عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة، حسين المحادين، أن العشيرة في الأردن تنظيم اجتماعي موغل في القدم، لكنه يقتصر على رابطة الدم لهذه المجموعة أو تلك، في حين أن عشائرية النسب هي الأهم، والأكثر شمولاً في التعبير عن بنية ومخرجات العملية الانتخابية والتمثيل النيابي. ويشرح المحادين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "عند اختيار ابن العشيرة على أساس أولي فقط هو رابطة الدم عبر انتخابات داخلية، نحرم الآخرين من أبناء العشيرة الواحدة من المنافسة لتمثيل الوطن، وقد يكون أي مرشح أكثر كفاءة للرقابة والتشريع ممن اختارته العشيرة بحكم حاصل جمع الأصوات فقط، بدليل الحديث عما يسمى أفخاذاً داخل العشيرة (فروع)، التي يختلف عددها من فخذ إلى آخر".

يُمنع النشاط الحزبي في الجامعات، بينما تتم دعوة الشباب للمشاركة بكثافة في الانتخابات

ويؤكد الخبير في علم الاجتماع "احترام عشائرية النسب، لكن مع عدم الوقوف مع الدور العشائري"، لافتاً إلى أهمية الإبقاء على القيم الإيجابية داخل المجتمع، لكن الشأن السياسي برأيه، يجب أن يكون عابراً للعشائر والانتماء العرقي. ولأنه "ليس بالضرورة أن يكون من يُتفق عليه للترشيح داخل العشيرة هو الأكفأ للعمل البرلماني"، يجزم المحادين بوجود "غبن في الانتخابات الداخلية، كما هو الغبن الواقع على أبناء العشائر الصغيرة في محدودية فرص فوزهم بمقعد في مجلس النواب".
ومن زاوية أخرى، يلفت المحادين إلى أن تعاظم دور العشيرة "يرتبط بضعف الأحزاب والنقابات". ويلفت الخبير في علم الاجتماع إلى أنه يلاحظ بدء تراجعٍ لدور العشيرة بشكل طفيف ونسبي أخيراً، مع ترشح أشخاص من خارج إجماع العشيرة، ما يعدّ مؤشراً على إمكانية ضمور الدور العشائري، في ظل الوعي والاستقلال المالي، وامتلاك البعض شبكة علاقات واسعة خارج إطار، وهو ما دفع ببعض الأسماء للترشح والتحالف مع أقران لهم على أسس مختلفة.

لكن المحلل السياسي جهاد المنسي، يجزم في حديثٍ لـ"العربي الجديد" بأن مجلس النواب المقبل ستكون الغلبة فيه للنواب العشائريين، ولأصحاب رؤوس المال، ولكن مطعماً بالقليل من الحزبين الذين سيكون وزنهم التصويتي ضعيفاً جداً داخل المجلس، مؤكداً أن المجلس التشريعي المنتظر لن يختلف عما سبقه. ويعيد المنسي السبب وراء ذلك إلى "عدم التأسيس لنظام حزبي حقيقي، وهو إخفاق لا تلام عليه الأحزاب وحدها، بل المؤسسات الرسمية التي لم تتخذ حتى اللحظة قراراً حقيقياً لتشجيع الحياة الحزبية".
ويلفت المنسي إلى "وجود تناقض في الرسالة الرسمية، فبينما يمنع النشاط الحزبي في الجامعات، تتم دعوة الشباب للمشاركة بكثافة في الانتخابات"، معتبراً أن "الدولة حتى الآن لا تسير باتجاه الدولة المدنية، أو دولة المؤسسات والقانون".
وبحسب المنسي، فإن الفرز السياسي لا يزال عشائرياً بالدرجة الأولى، ولدى أي نائب قناعة كاملة بأن عليه أن يخدم عشيرته، وإذا لم يفعل ذلك، فلن تكون لديه الفرصة لتجديد مقعده، ما يجعل ولاءه بالدرجة الأولى لمنطقته الانتخابية وأفراد عشيرته، وما سيؤثر حتماً على أدائه التشريعي والرقابي، الذي ستغلب عليه المصلحة المناطقية والعشائرية على حساب الصالح العام.

المساهمون