يبدو أن التنبؤ هو أحد النماذج الأساسية الفعالة في قياس آفاق أسعار النفط ومستقبل الأداء الاقتصادي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تعددت التنبؤات أخيراً، واختلفت المؤشرات والسيناريوهات، لكنها أفضت كلها إلى رؤية واحدة وهي أن النفط فقد قيمته السوقية بنسبة 50% وسيستمر في ذلك خلال عام 2016، نتيجة قدرة الدول المستهلكة على التكيّف مع الطلب على الطاقة من جهة، ووصول الغرب إلى تقنيات متطورة جداً في استخراج النفط وإنتاج الطاقة من جهة أخرى.
إذ إن التحولات الكبيرة التي مر بها العالم ليست ببعيدة عما توقعه صندوق النقد الدولي بعدما خفض توقعاته للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2015 بسبب النزاعات والصراعات المسلحة وتدهور أسعار النفط ، لكنه توقع ارتفاعاً طفيفاً في أسعار النفط في العام 2016 مع رفع العقوبات المفروضة على إيران.
وكان صندوق النقد قد قال في تقريره نصف السنوي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنه يتوقع نمواً بنسبة 2.3 في المئة في 2015، أي بتراجع 0.4 نقطة مقارنة بتوقعاته في نيسان/أبريل الماضي. في المقابل فإن المنطقة ستشهد انتعاشاً ملحوظاً مع نمو بنسبة 3.8 في المئة في العام المقبل أي بزيادة 0.1 في المئة قياساً إلى توقعات نيسان/أبريل مدفوعة بنشاط أقوى متوقع في إيران مع رفع العقوبات بصورة كاملة.
اقرأ أيضا: العوامل النفسية المتحكمة بأسعار النفط
أما في ما يتعلق بالدول المصدرة للنفط حصراً، من بينها دول الخليج العربية وإيران والعراق واليمن وليبيا والجزائر، فاعتبر الصندوق أنها هي المسؤولة الرئيسة عن ضعف النمو في المنطقة في 2015، وذلك لأن معدل النمو فيها بحسب الصندوق سيقتصر على 1.8 في المئة في 2015، بعدما سجل 3.9 في المئة في العام الماضي.
ولذلك نجد أن الصندوق يبين حقيقة مفادها أن الأسعار المتدنية للخام قد أثرت على التوقعات للدول المصدرة للنفط ، واستشرف بأن أسعار متوسط النفط ستكون وفق هامش 52 دولاراً للبرميل للربع الأخير من عام 2015 ومطلع عام 2016. في المقابل، يختلف مع هذه التوقعات الخبير الدولي في الوكالة الدولية للطاقة فاتح بيريل، الذي أعلن مؤخراً أن السعر المتوقع سيكون بمعدل 45 دولاراً لبرميل النفط .
وفي محاولة صندوق النقد الدولي لمعرفة أفاق الاقتصاديات الريعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهو يتوقع أن يرتفع نمو اقتصاد السعودية بنسبة 3.4 في المئة هذه السنة، ثم 2.2 في المئة فقط في العام 2016 أي بتراجع نسبته 0.5 في المئة قياساً إلى توقعات الصندوق في نيسان/أبريل، أما النمو في دولة قطر البلد الذي يمتلك كميات كبيرة من الغاز فسيتراجع من جهته العام المقبل إلى 4.7 في المئة.
ونجد أن صندوق النقد الدولي حاول محاكاة أسعار النفط، فهو في وقت سابق من هذا العام رأى أن تدهور أسعار النفط الخام سيكلف دول مجلس التعاون الخليجي نحو 300 مليار دولار، أي حوالي نصف عائداتها النفطية، ما سيرغمها مجدداً على ضبط خططها لدعم الموازنة المالية السنوية على المدى المتوسط، لكن بإمكان دول مجلس التعاون الخليجي الاعتماد على احتياطاتها من العملات الصعبة المقدرة بـ 2500 مليار دولار.
اقرأ أيضا: تحركات أسعار النفط المستقبلية
إضافة إلى مشهد الخليج العربي، توقع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد الإيراني نمواً طفيفاً بنسبة 0.8 في المئة هذا العام مقابل 0.6 في المئة في نيسان/أبريل، بسبب استمرار العقوبات المشروطة بسلامة تنفيذ الاتفاق النووي بكل فقراته. ما يعني أن الصندوق يعتبر أن نمو ايران سيسجل قفزة إذ إنه سيرتفع إلى 4.4 في المئة العام المقبل في حال تم رفع العقوبات على إثر الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الدول الكبرى حول الملف النووي الإيراني.
ويحاول التقرير أن يطرح خياراً بديلاً أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو سيناريو "إيران بلا عقوبات"، متوقعاً أن ترتفع القدرة الإنتاجية النفطية للجمهورية الإسلامية من 500 ألف برميل إلى 800 ألف برميل في اليوم في غضون السنتين المقبلتين.
توقعات صندوق النقد تبدو واقعية، فيما يتعلق بالبلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي ستحصل على دعم من انخفاض أسعار البترول، لكن من جهة أخرى، تظهر الاضطرابات السياسية والأمنية التي ستخفض معدل النمو الاقتصادي إلى مستويات دقيقة في عام 2016.
(خبير نفطي عراقي)