باب عمر باشا (3/9)

19 مارس 2020
+ الخط -

حسين متلعثماً: هل ممكن أن أخرج معك مرة أخرى؟
عادت إلينا إلى ابتسامتها المشاكسة من جديد، وأجابت: سوف أردّ عليك لاحقاً.

اقتربت إلينا وحسين من منزلهما، فسمعا أصوات ترام البلد في شارع الخديوي المتقاطع مع شارع العطارين، واقتربا إلى منزلهما فشاهدا سوق النصارى في باب عمر باشا وقد انتهى معظم الباعة من عملهم اليومي، عدا عم فانوس "الفرارجي" الذي كان يطعم الطيور، وباعة الفاكهة الذين نظّموا التفاح الأميركي والمشمش الحموي من سورية والموز المغربي، وغيرها من الفاكهة المحلية والمستوردة بطريقة بديعة جميلة.

أسرعت إلينا فجأة وسبقت حسين إلى المنزل، وبادرت بتحية عمّ علوان البواب: سعيدة مبارك عمّ علوان.
علوان: سعيدة مبارك مدموزيل إلينا.
حسين: السلام عليكم عمّ علوان.
علوان: عليكم السلام حسين أفندي.

صعدت إلينا بسرعة البرق إلى شقتها في الدور الثالث، وكان حسين يحاول اللحاق بها ليسألها عن موعدهم التالي، لكن إلينا كانت مثل الفراشة، طارت إلى شقتها، وهنا لم يحاول حسين أن يلحق بها حتى لا يشعر الجيران بهما.


دخل حسين شقتهم في الطابق الثاني وهو سعيد سعادة يشوبها شيء من الحزن، فلم يحصل على إجابة إلينا للموعد القادم.
حسين: السلام عليكم يا ماما.
الأم: عليكم السلام يا حسين. هل تريد تناول وجبة العشاء؟
حسين حزيناً: لست جوعان يا ماما.

دخل حسين غرفته حزيناً يفكر في النزهة السعيدة التي قضاها مع إلينا، ويتحسس خده الأيمن بسعادة وهيام. لكنها انتهت برفضها مقابلته مرة أخرى.

محتمل إلينا لم يعجبها كلامي. قال حسين لنفسه. أو لم تعجبها ملابسي، أو لم يعجبها رأي أمي في تلك النزهة. لكنني أشعر نحوها بحب فيّاض وأحاسيس جميلة لم أشعر بها نحوها من قبل.

رأيتها كثيراً من قبل وهي تلعب مع أختي الصغيرة، وكنت لا أهتم بها. فماذا حدث لي؟ لم يحدث لي شيء، وإنما حدث أنّ إلينا كبرت فجأة، وتغيّر جسمها، وأصبحت آنسة جميلة مهذبة مثقفة يحبها كل الجيران وأنا أولهم.

حسين لنفسه: يجب عليّ أن أقابلها مرة أخرى. لا، بل مرات كثيرة قادمة. واستمرّ حسين يفكر في إلينا وهو محموم بحبها الذي أشعل قلبه عندما طبعت قبلتها البريئة على خده الأيمن، الذي ما زال يتحسسه دائماً وهو سعيد.

بعد بضعة أيام من الوله والشوق والحيرة، فكّر حسين في أن يرسل خطاباً غرامياً إلى إلينا مع أخته الصغيرة، لكنه لم يستحسن الفكرة، فقرر أن يقابل إلينا بنفسه في الصباح الباكر، على الدرجات بين الطابق الأول والطابق الثاني، حيث إن سيارة مدرستها تأخذها في السادسة والنصف، وهذا قبل خروجه لمدرسته بنصف ساعة، لكن هذا لا يهم كثيراً. سوف أخرج مبكراً نصف ساعة لمدرستي وأنتظرها كي أراها وأعطيها الخطاب بنفسي.

في الصباح الباكر كان حسين يستعد للخروج لمدرسته، عندما سألته أمه: لماذا أنت ذاهب إلى مدرستك مبكراً؟ أجاب حسين متلعثماً: سوف أقابل بعض زملائي لمناقشة موضوع إنشاء مطلوب منّا.

انتظر حسين إلينا وهو صامت حذر على الدرجات بين الطابق الأول والطابق الثاني حتى يستطيع سماع خطواتها وهي تخرج من شقتها. لكنه سمع صوت الخواجة زخاري أبيها وصوتها وتودع أمها، فقرر أن ينزل درجات السلم مسرعاً إلى الشارع لكي لا يراه أبوها ويشك في الأمر.

للقصة بقية...
B255BE3A-BC30-417B-932F-104B8C087B7D
حسن الحداد

كاتب مصري مقيم في أميركا

مدونات أخرى