باب عمر باشا (7/9)

باب عمر باشا (7/9)

14 ابريل 2020
+ الخط -
نظر حسين إلى أبيه مستوضحا كل هذه الأمور المتتالية.. ما معنى ترك عمله والحضور للمدرسة في منتصف اليوم الدراسي؟ وما هي دواعي الإجازة؟..

نظر الأستاذ محفوظ إلى ابنه حسين مشفقاً، وقال: لقد استشهد ابن عمك الملازم أحمد مصطفى في اليمن، وسوف نسافر إلى القاهرة مع جدك لنكون مع عمك في استقبال جسد الشهيد ودفنه بإذن الله.

نظر حسين إلى الأرض وأدمعت عيناه في سكون، فأحمد ليس ابن عمه فقط، لكنه صديق الطفولة والمصيف والمرح واللهو، وكان ينتظره كل صيف عندما يأتي وأسرته من القاهرة لكي يستمتعا بالإجازة الصيفية سويا. ورغم أن أحمد يكبره بأربع سنوات وهو الذي علمه السباحة وركوب الدرجات وصيد الأسماك وأشياء أخرى كثيرة، لكن حسين كان يرى فيه صديقه ومعلمه وابن عمه وأخاه الكبير.


التف بعض المدرسين ومعهم الناظر حول حسين وأبيه يقدمون لهما خالص التعازي في مصابهم الأليم..

ذهب حسين وأبيه إلى بيت جده في شارع الإمام مالك القريب من باب عمر باشا، فوجد البيت مكتظا بالمعزين، مسلمين ومسيحيين وأرمن ويونانيين وشوام، وغيرهم، فجده الحاج حسين الفكهاني معروف في سوق النصارى بباب عمر باشا.

وجد حسين جده ثائراً على عبد الناصر.. عبد الناصر خرب بيوت الناس وأخذ شقاهم والآن يقتل أولادهم في حرب ليس لنا بها دخل أو مصلحة، ابني محمود استشهد فدائياً في بورسيعد، ولم أقل شيئا لأنه كان يدافع عن بلدنا، واليوم حفيدي استشهد دفاعاً عن اسم زعيم العرب الذي استصغر مصر على نفسه، فأصبح يشتري زعامته بدماء المصرين.

الأستاذ محفوظ قائلاً: يا عم الحاج الحيطان لها ودان نريد أن نذهب لبيوتنا.
الجد: لو قبضوا علي سوف أقول لهم: أنا عجوز خرفان محروق على حفيدي الذي قتل في حرب ليس لنا فيها ناقة ولا جمل.

سافر حسين وأبيه وجده وجدته للقاهرة ولحق بهم بقية العائلة في اليوم التالي.

عاد حسين وأبيه بعد ثلاثة أيام من القاهرة مرهقين، وبعد تناول الطعام انصرفت أم حسين إلى غرفة نومها.. وجد حسين أمه منزوية في غرفة نومها وهي تبكي بكاءاً صامتاً.

فقال حسين لأمه: أرجوك يا أمي لا تبكي، فبكاؤك يجعلني أبكي مرة أخرى، وقد بكيت بما فيه الكفاية حتى لم تبق دموع في مقلتي.
نظرت إليه أمه بحزن وأعطته خطابا وقد أغرورقت عيناها بالدموع.

نظر حسين إلى الخطاب وابتسم ابتسامة خجولة، فهو ليس له حق الفرح والبهجة وابن عمه وصديق طفولته شهيد مدفون تحت التراب.. حتى لو كان الخطاب من حبيبة القلب إلينا.

للقصة بقية..

B255BE3A-BC30-417B-932F-104B8C087B7D
حسن الحداد

كاتب مصري مقيم في أميركا

مدونات أخرى