بنس في الأردن... يخادع بـ"حل الدولتين"

22 يناير 2018
أجّل بنس قضية القدس إلى نهاية حديثه (شادي نصور/الأناضول)
+ الخط -
على نحو مخادع، جدّد نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، من عمّان، أمس الأحد، التزام الإدارة الأميركية بحل الدولتين، الذي ضرب به رئيسها دونالد ترامب عرض الحائط، حين اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. استحضار بنس لـ"حل الدولتين"، والذي لعب دوراً رئيساً في "إعدامه" عندما هندس الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، لا يتعدّى محاولة استرضاء ملك الأردن عبد الله الثاني، المتمسّك بالحلّ وفقاً لمبادئ الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

وأكد العاهل الأردني، قبيل لقائه المغلق مع بنس، في العاصمة الأردنية، أنه "يجب أن تكون القدس الشرقية عاصمة فلسطين"، وأبلغ نائب الرئيس الأميركي، خلال جلسة المباحثات العلنية، بأن "الأردن يكثف جهوده لحل القضية الفلسطينية للوصول إلى حل شامل وعادل".

من جانبه، عبر بنس عن التزام بلاده بـ"حل الدولتين" وبدورها في عملية السلام. وأضاف أن "الرئيس ترامب اتخذ قراراً تاريخياً بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكنه أوضح أننا مستمرون في احترام دور الأردن كمشرف على المقدسات هناك".

ويدرك ملك الأردن أنّ خطر زوال حلّ الدولتين، يتجاوز انسداد أفق تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى تعريض مملكته لخطر إحياء المشاريع الصهيونية الرامية لحل القضية الفلسطينية على حسابها. لذلك حرص على إبلاغ ضيفه بتمسّكه، بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

والهوة شاسعة بين فهم الطرفين لـ"حل الدولتين" وسبل تحقيق ذلك. ففيما ينظر الفهم الأردني العميق، من دون أن يعلن ذلك صراحة، للاعتراف الأميركي، كتدمير للحل المنشود، تعتقد الإدارة الأميركية أن فرصة تحقيق ذلك ما تزال قائمة، لكنها تشترط، كما أعلن بنس، "موافقة الطرفين" (الفلسطينيين والإسرائيليين)، وهي الموافقة التي تسعى إدارة ترامب لانتزاعها من الفلسطينيين "المتمردين" من خلال عصا العقوبات، تمهيداً لتمرير "صفقة القرن"، التي تعصف مقدماتها بالحد الأدنى للحقوق الفلسطينية.

كذلك، فإن أولوية القضية الفلسطينية، ليست في المرتبة ذاتها لدى الطرفين، وفق ما أظهرت المباحثات العلنية. ففي الوقت الذي تعمّد فيه الملك البدء بالحديث عنها والتركيز على موقف بلاده من مستقبل القدس، أجّلها بنس إلى نهاية حديثه، بعد أن تطرّق للعلاقات الثنائية والحرب على الإرهاب، والخطر الإيراني والأزمة السورية.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في الشأن الأميركي، الدكتور حسن البراري، إن "الجانب الأميركي ضرب بحلّ الدولتين عرض الحائط"، مضيفاً "هم استبقوا أي حلّ مستقبلي، عبر إعلانهم القدس بشرقها وغربها للإسرائيليين، فارضين بذلك واقعاً جديداً على الأرض (...). الأميركيون لا يستطيعون الضغط على الجانب الإسرائيلي، بل إنهم يتطابقون مع سياسته، لذلك يضغطون على الجانب الأضعف المتمثّل بالسلطة الوطنية الفلسطينية". ورأى البراري أن الهدف الأساسي من جولة بنس الشرق أوسطية، يتجاوز بحث سبل السلام، إلى البحث في استقرار المنطقة، وفقاً لرؤية أميركا"، والتي يحددها البراري بـ"نظام توازن تقف فيه السعودية وإسرائيل في خندق واحد".


وبدأ بنس جولته من مصر التي وصلها السبت، وشملت الأردن الذي وصله مساء اليوم نفسه وغادره مساء أمس الأحد، إلى الأراضي المحتلة، حيث سيختتم جولته ببرنامج حافل يومي الاثنين والثلاثاء. وكانت مسألة القدس قد طرحت أيضاً خلال المحادثات بين بنس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، حيث أكّد الأخير، بحسب بيان للرئاسة المصرية، "موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية والداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".

والجولة التي كانت مقررة قبل أكثر من شهر، وتم تأجيلها بمبررات أميركية داخلية، لكن السبب المرجح يتصل بإتاحة الوقت لامتصاص صدمة القرار الأميركي، لا تشمل الأراضي المحتلة الواقعة خارج الخط الأخضر، بعدما تمسّك مسؤولو السلطة بموقف مقاطعة الزائر المعروف بمواقفه الصهيونية العلنية.

وفسّر البراري وضع المملكة الأردنية على خريطة جولة نائب الرئيس، بـ"استهدافها لدفعها إلى تبني -على الأقل- موقف معتدل من الاعتراف الأميركي، بعدما صعدت على السلّم في معارضتها القرار الأميركي"، مؤكداً "صعوبة استمرار الأردن في موقفه نظراً لانكشافه الاستراتيجي، واعتماده على المساعدات الأميركية بشكل رئيسي، الحريص على عدم وقفها".

وينتظر الأردن، الذي يعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة، بفارغ الصبر تجديد بروتوكول المساعدات الأميركية بواقع 1.5 مليار دولار سنوياً للسنوات الخمس المقبلة، وهي المساعدات الوحيدة التي تصل المملكة حالياً بعد انتهاء المنحة الخليجية، وتوقّف المملكة العربية السعودية عن تقديم المساعدات.

وجرى فرملة الاندفاعة الأردنية المناهضة للاعتراف الأميركي بالقدس في 6 ديسمبر/كانون أول الماضي، منذ مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، نتيجة ضغوط حقيقية من الإدارة الأميركية، كما يبرر مسؤول فضّل عدم ذكر اسمه. ويقول "الضغوط تجاوزت مسألة المساعدات (...) وجعلتنا نعدّل أدواتنا من دون أن نغيّر موقفنا".

ودافع الملك في 8 يناير/كانون الثاني الجاري، عن التواصل مع الإدارة الأميركية، بهدف "تفادي إي فراغ يؤثر سلباً على مصلحة الأردن"، مؤكداً في الوقت ذاته أن ذلك لن يؤثر على الموقف الرافض للاعتراف الأميركي، ليعود بعد يومين للتأكيد على أنه "لا يمكن تجاهل الولايات المتحدة الأميركية للوصول إلى الحلّ المنشود".

وبلغت "الفرملة" الأردنية أوجها، باستباق وصول بنس، للإعلان عن اتفاق أردني-إسرائيلي، تمّ بموجبه إنهاء الأزمة التي أعقبت حادثة/جريمة "السفارة الإسرائيلية"، التي وقعت في 23 يوليو/حزيران الماضي، وقضية القاضي رائد زعيتر الذي قتل على يد جندي إسرائيلي في 10 مارس/آذار 2014، أثناء توجّهه إلى مدينة نابلس في الضفة الغربية. وهو اتفاق لعبت أميركا دوراً مهماً في إنجازه، وفق ما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ويروّج كتّاب مقربون من القصر، الخط السياسي الأردني "المتعقّل" في إدارة ملف القدس والعلاقة مع إسرائيل، إذ يخصصون مساحات واسعة للحديث عن عدم قدرة الأردن على المواجهة والتحذير من الخسائر المحتلة، ويضفون صبغة بطولية على الاتفاق الأخير مع إسرائيل، يمررون من خلالها التصور الإسرائيلي للأهمية الاستراتيجية للأردن، والتي يعتقد مراقبون أنها لا تتجاوز حدود المصالح الإسرائيلية من دون النظر للمصالح الأردنية.