جنوب السودان: بلد جديد بالأخطاء القديمة نفسها

06 مارس 2014
"أخذ المدن الى الشعب" بات الشعار السياسي للجميع
+ الخط -

في نهاية موسم الأمطار في سبتمبر/ أيلول 2012، وبعد أكثر من عام على احتفالات الاستقلال في جنوب السودان، قام أربعة أولاد بدفع عربة في الشارع الرئيسي في لير؛ البلدة الصغيرة في ولاية الوحدة.

كانت السماء فوق رؤوسهم مزيج من الغبار الكيميائي والرماد الداكن، وعلى مدى الشارع كان المارة يسارعون بالمشي قليلاً، مدركين أن الغيوم قد تنفجر في أي لحظة؛ عدة أسابيع من الأمطار تسببت بتحويل الطرق الترابية إلى مزيج صعب من البرك والطين.

قلة من الناس في منطقة لير يمتلكون مركبات، قاموا بتركها في منازلهم، بسبب صعوبة القيادة وكلفه البنزين العالية. جهد الأولاد لدفع العربة المثقلة بوزن غالونات المياه الصفراء اللون؛ كانوا حركة المرور الوحيدة على الطريق. وعند وصولهم الى المنزل، قاموا بتقليد صوت الوتيرة المنخفضة للمحرك، وتحويل العربة الى سيارة أحلامهم.

غاتغونغ جتش، هو راعٍ يعيش على بعد 20 دقيقة سيراً على الأقدام من المطار الذي يستخدم من قبل المنظمات غير الحكومية لنقل البضائع وموظفيها، يقول إن جميع المباني تقريباً دمرت في المدينة خلال الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب بين عامي 1983 و2005، وإن البنية التحتية القليلة التي كانت متواجدة في جنوب السودان دمرت تقريباً، بحيث أصبحت التنمية أمراً مستحيلاً.

يجلس جتش خارج حظيرة البقر مع محصول الذرة الرفيعة، ويسترق النظر من فوق السياج. هو يشعر بالإحباط بسبب التحسن الضئيل الذي حصل منذ تولي الجنوب السوداني السيطرة على مصيرهم. لا يزال غاتغونغ يستخدم الجرافة لزراعة أرضه، ولكنه يرغب باستخدام المعدات الحديثة.  يقول: "حين يواجه الناس صعوبات، تقوم المنظمات غير الحكومية بتوزيع الغذاء، في حين لا تعطينا الحكومة أي شيء". وبالرغم من ذلك، غاتغونغ سعيد لأن أطفاله يذهبون الى المدرسة الآن، وهي فرصة لم تكن متاحه لهم من قبل.

قادة جنوب السودان ورثوا وضعاً سيئاً، وبالتأكيد قاموا بإنجاز بعض التغيير الإيجابي. لكن هناك دلائل على أنّهم يكررون بعض الأخطاء التي اقترفها القادة السودانيون في حق السودانيين الذين حاربوا من أجلهم بشدة.

تطورت مدينة جوبا بوتيرة سريعة، رغم أن الجزء الأكبر من موارد السودان يتمركز في الخرطوم وما حولها. نمو جوبا بحد ذاته ليس بالسيء، بل كما يقول المطران باريد تابان "أمر جيد". وهناك أيضاً بعض النمو في عواصم الولايات الأخرى، وإن كان بمستوى منخفض جداً. ومع ذلك، كما هو الحال في النموذج السوداني، تعتمد الولايات العشر في جنوب السودان بالكامل على جوبا العاصمة.    

على سبيل المثال، شكّلت ميزانية عام 2011 في ولاية بحر الغزال في الشمال ما يزيد قليلاً عن 150 مليون جنيه جنوب سوداني، أكثر قليلاً من 30 مليون دولار أميركي، بسعر السوق السوداء في ذلك الوقت. جاءت 90 في المئة تقريباً من هذه الأموال من جوبا، ومن الواضح أنها غير كافة لتطوير الدولة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة. ويتكرر هذا الوضع في جميع أنحاء جنوب السودان.  

الهيكلية هي سبب ضعف الحكومات في ولايات جنوب السودان، ويعود ذلك للحكومة الاتحادية، تماماً كما تأتي إيرادات جوبا بالكامل تقريباً من النفط. يأتي دخل الولايات من خلال تحويل الأموال من جوبا. في أي عاصمة، تميل الحكومة المركزية الى تشديد القبضة على الأموال التي تتلقاها، وتترك المناطق الأخرى التي تقع تحت سيطرتها بدون أي دعم مالي.

السيد بيتر نيوك، مسؤول بارز في منطقة لير، يقول إنه لم يتلق الأموال اللازمة لتطوير منطقته. تلعب المصالح السياسية دوراً أيضاً، حيث أن منطقة لير قامت بالتصويت بالغالبية ضد تابان دينق، حاكم ولاية الوحدة في انتخابات عام 2010 المتنازع عليها، وبالتالي عند إقالته من منصبه في عام 2013 لم يكن هناك فرصة كبيرة للحصول على دعم مالي كبير مقارنة بمناطق أخرى في البلاد.

حين وقع جون قرنق اتفاق السلام الشامل في عام 2005، لإنهاء الحرب الأهلية، وعد بالالتزام جدياً بتطوير ريف جنوب السودان. يعيش نحو 83 في المئة من سكان جنوب إفريقيا في المناطق الريفية، وهم أسوأ حالاً بكثير من سكان المدن. تقوم رؤية الحركة على نقل المدنية إلى الناس في الريف بدلاً من نقل الناس إلى المدن، حيث ينتهي بهم المطاف في الأحياء الفقيرة، كما يقول قرنق.

يبدو أن أخذ المدن الى الشعب "أصبحت واحدة من الشعارات الكبيرة"، التي تتكرر من قبل الجميع، بداية من الرئيس سيلفا كير. وبالرغم من تقديس هذا الشعار في العمل السياسي، فأن ذلك لم يجلب أي تغيير على أرض الواقع؛ فقد تم إنشاء المؤسسات الحكومية المحلية، ولكنها لم تقدم الكثير من الخدمات.

في الخطاب نفسه، وعد قرنق أن تعمل الحكومة على بناء "طواحين هواء في جميع أنحاء ريف السودان لتوفير مياه الشرب النظيفة، وبناء السدود الصغيرة لتوليد الطاقة وتزويد البلدات الريفية بالكهرباء".  بدلاً من ذلك، يتم تركيز الأموال والموارد، وتبديدهم في العاصمة، في حين لا تتلقى الولايات الأخرى لم تتلقى سوى القليل من الدعم.

* عن صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، جزء من كتاب "شوكة سامة في قلوبنا" للكاتب جيمس كوبنال.

المساهمون