داعشيات مكبوتة!

08 أكتوبر 2014
+ الخط -

ما كان لتنظيم داعش أن يحظى بكل الألق الإعلامي الذي ناله، بعيد وصول "فتوحاته" إلى لبنان، لولا وجود بيئة مكبوتة بالأصل، تسللت إلى عمق الشباب اللبناني المتأثر، إلى حد كبير، بالشظايا الطائفية والمذهبية الآتية من الحروب والثورات والانتفاضات المحيطة، على نحو، جعل من كل نشرة إخبارية وكل موجز ومقال وخبر في هذا المجال يحاكي تلك البيئة المكبوتة، أكثر من تقديمه إضاءة على الحدث الداعشي، بحد ذاته. وما التسابق على أجزاء الثانية لنشر بيانات هذا التنظيم ومقاطع الفيديو، إلا دليل معقول على أن إعلامنا دخل مضطراً مرحلة تشريح الهواجس، وإنْ تحت عنوان التضامن العارم والكامل مع الجيش اللبناني في مواجهة أفعال هذا التنظيم المتطرف!

عملياً، يعاني الجسم اللبناني من داعشياتٍ مكبوتةٍ، تعاني، هي الأخرى، انفصاماً في الشخصية، فما تقوله بين أربعة جدران، وما تجاهر به في الجلسات الضيقة، ينسحب حديثاً مغايراً تماماً، في التداول العام وفي الإعلام، وهذا ما يشكل الخطر الفعلي، على مستوى الأشهر السياسية المقبلة في لبنان، حيث لا يُستبعد أن يعود ويحضر الحديث الأصلي في هذا المجال، نتيجة تعاظم المناخات المذهبية التي يعيش لبنان أوجها حالياً، خصوصاً بعد إعلان حزب الله التعبئة العامة لمحاربة هذه التنظيمات عند التخوم اللبنانية، والحضور الكثيف لأخبار الجنازات الخفية والمعلنة لعناصره المقتولين في سورية، وصدور المواقف المطالبة بحماية الجيش اللبناني للحدود عوض حماية الحزب.

المسؤولية في هذا المجال يتحملها الإعلام اللبناني، أولاً وأخيراً، ليس لأنه اختار الطرق السهلة، وفضل تصدير عنوان التضامن مع الجيش، بل لأنه منذ البداية تعاطى مع الملف وكأنه حدث هبط على اللبنانيين فجأة بالباراشوت، من دون مقدمات أو خلفيات، ومن باب تلطيف الصورة والإطلالة على المراقب العربي والدولي، بمشهد معقول من التضامن، من دون التفكير، لحظة، بأن هذه الذريعة معرضة للسقوط بمجرد تمظهر الهواجس المذهبية القديمة-الجديدة. ولعل ما يعانيه الشباب اللبناني من هجر للإعلام المحلي التقليدي، والذهاب إلى التحليلات الدولية  في هذا الشأن، خير دليل على أن مظلة التضامن قد لا تصمد أمام رياح الحرب القادمة.

لم يكن في وسع الإعلام اللبناني الإطلالة بغير هذه الصورة. هذه قناعة محسومة، لكنه كان قادراً على الأقل استشراف هذه المرحلة السوداء من عمر الأمن اللبناني، بتفعيل الطاولات المستديرة، وإقامة حلقات النقاش المفيدة لمثل هذه اللحظة المُعاشة.

خلاصة القول إن دعوات الوعي التي تلهب حناجر مذيعينا وأقلام كتابنا، اليوم، كان الأجدر بها أن تُطلق مذ لاح الخطاب المذهبي أول مرة.

avata
avata
عمر الفاروق النخال (لبنان)
عمر الفاروق النخال (لبنان)