روسيا تستكمل استعداداتها لحرق حلب... وثرثرة أميركية حول هدنة

11 نوفمبر 2016
يسود هدوء حذر في أحياء حلب الشرقية (جواد الرفاعي/الأناضول)
+ الخط -

في الوقت الذي تعيش فيه مدينة حلب هدوءاً حذراً مع استمرار الاشتباكات على أطرافها الجنوبية والغربية بين فصائل المعارضة وقوات النظام، تشير معطيات عديدة إلى أن روسيا تستعد لاستئناف قصفها للمدينة المحاصرة، في حملة من المتوقع أن تكون عنيفة، تشارك فيها مجموعة السفن الحربية الروسية.
مقابل ذلك، تستمر الثرثرة الأميركية عن ضرورة التوصل لوقف إطلاق نار في سورية وحلب تحديداً. وفي ما بدا محاولة لرفع العتب عن الفشل الأميركي تجاه الملف السوري خلال عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، إن واشنطن تسعى للوصول إلى وقف إطلاق نار في سورية عامة، وحلب بشكل خاص. وأوضح تونر، خلال مؤتمر صحافي، أن الإدارة الأميركية تركز على الوصول لوقف الأعمال العدائية في سورية، باتفاق يمكن إعلانه خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة. لكن مراقبين رأوا أن آمال التوصل إلى هدنة جديدة في حلب خلال الفترة المقبلة لا تبدو واقعية، وتمثّل توجّهاً عكس المعطيات على الأرض التي تنذر بالتصعيد.
في غضون ذلك، وفيما أعلنت موسكو عبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أن الجيش الروسي سيستمر في ترتيب عمليات وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية في سورية، كما نقلت عنه وكالة "انترفاكس"، تدل المعطيات والتحركات العسكرية الروسية على قرب إطلاق حملة عسكرية واسعة في حلب.
وفي هذا السياق، توقع مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" أن تبدأ روسيا قريباً عملية جوية مكثفة في حلب بمشاركة الطائرات الحربية التي تحملها على متنها حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف". وذكر المسؤولون، كما نقلت وكالة "انترفاكس"، أن مقاتلات "سو-33" و"ميغ-29 كا"، التي وصلت إلى سواحل سورية على متن حاملة الطائرات في إطار مجموعة سفن حربية تابعة لأسطول الشمال الروسي، قد بدأت بالتحليق فوق الأراضي السورية. وتابع المسؤولون أن تلك الطائرات لم تشارك حتى الآن في عمليات قتالية، "لكن هناك دلائل على انضمام طائرات الأميرال كوزنيتسوف لقوة كبيرة ستشارك في عملية بمدينة حلب السورية هذا الأسبوع".
ولفت العسكريون الأميركيون إلى أن مجموعة السفن الروسية والتي تضم، بالإضافة إلى "الأميرال كوزنيتسوف"، الطراد الذري الصاروخي الكبير "بطرس الأكبر"، والسفينتين "سيفيرومورسك" و"الفريق البحري كولاكوف" الكبيرتين المضادتين للغواصات، انتقلت إلى منطقة بجنوب شرق قبرص، وباتت على مسافة مناسبة لتوجيه ضربات إلى حلب. ورأى العسكريون الأميركيون أن الفرقاطة "الأميرال غريغوروفيتش" المزودة بصواريخ من نوع "كاليبر" والمتواجدة في المتوسط، ستشارك في توجيه الضربات أيضاً.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال اللواء السوري المنشق محمد حاج علي، لـ"العربي الجديد"، إن استئناف الغارات الروسية على حلب أمر متوقع جداً، خصوصاً أن لدى روسيا قدرات جوية كبيرة في سورية، ما يساعدها على تنفيذ مهامها في تدمير حلب، إذ لا يبعد مطار حميميم أكثر من 100 كيلومتر عن حلب ويمكن للطيران الروسي أن ينفذ كل مهامه في حلب بسهولة تامة، من دون الحاجة حتى للاستعانة بالأسطول الروسي في شرق المتوسط، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الأسطول لم يأت من أجل حلب، بل هو "تظاهرة عسكرية ورسالة إلى الدول المتدخلة في الشأن السوري".
وأضاف حاج علي أن صمود السوريين وعدم خروجهم من حلب وخوف الروس من مجازر كبيرة تؤلّب عليهم الرأي العام العالمي، هو ما جعلهم يستخدمون العصا والجزرة عبر التظاهر بفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين والمقاتلين من حلب. وبشأن الخيارات المتاحة أمام فصائل المعارضة في حلب، أعرب عن اعتقاده بأنه ليس أمامها إلا خيار واحد هو "الصبر والصمود في أرضها ووطنها، لأن النظام الأسدي يقوم بالتغيير الديمغرافي للشعب السوري وطرد كل من يعترض على نظام الأسد بغض النظر عما إذا كان مقاتلاً أم مدنياً".


وكانت مصادر صحافية ذكرت أن إبراز وسائل الإعلام الروسية رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة طلبات وزارة الدفاع لاستئناف القصف على مدينة حلب، كان هدفه إظهار "صبر" موسكو على "استفزازات" فصائل المعارضة في حلب، وذلك في إطار التهيئة السياسية والإعلامية لاستئناف الغارات بوتيرة أشد، بهدف إخضاع المدينة بشكل نهائي. وأشارت تلك المصادر إلى أن النظام السوري قام بدوره بحملة علاقات عامة تضمّنت اتهام المعارضة باستخدام الغاز السام ضد المدنيين في مناطق سيطرة النظام غرب حلب، فضلاً عن دعوة صحافيين أميركيين وبريطانيين إلى غرب حلب واقتيادهم إلى خطوط التماس والكنائس لإظهار ما ينعم به المسيحيون من حريات مقابل مزاعم تهجيرهم من مناطق شرق حلب.
ميدانياً، خفّت وتيرة القصف على حلب خلال الساعات الماضية وإن كانت قوات النظام استهدفت ريف المهندسين، في ريف حلب الغربي، بصواريخ "أرض-أرض" الليلة قبل الماضية، فيما ذكر مركز حلب الإعلامي أن ثلاثة مدنيين قتلوا وأصيب تسعة إثر استهداف الطيران الحربي بلدة بشنطرة في ريف حلب الغربي. وكانت بلدات ريف حلب الجنوبي والغربي تعرضت لقصف مكثف من الطيران الحربي لدعم قوات النظام التي تحاول التقدم في المنطقة، خصوصاً في محيط مدرسة الحكمة. واستطاعت قوات النظام و"حزب الله" السيطرة خلال اليومين الماضيين على مشروع 1070 شقة، وعلى مدرسة الحكمة، وتسعى إلى اقتحام منطقة منيان القريبة من أحياء حلب الجديدة.
فيما أعلنت الأمم المتحدة، أمس الخميس، أن فرقها تقوم بتوزيع آخر الحصص الغذائية على السكان المحاصرين في الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة في حلب والتي لم تصلها أي مساعدات منذ منتصف يوليو/ تموز. وقال رئيس مجموعة العمل الخاصة بالمساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة يان إيغلاند: "يجري في هذا الوقت توزيع آخر الحصص الغذائية. لن يعود هناك ما يمكن توزيعه الأسبوع المقبل". وأضاف أن "تداعيات عدم وصول المساعدات ستكون كارثية جداً، لدرجة أنه لا يمكنني تخيّل ما سيحدث"، موضحاً أن عدم السماح بدخول المساعدات يوازي "تجويع" ربع مليون شخص.
من جهة أخرى، أعلنت غرفة عمليات "درع الفرات" سيطرتها على قرى الشيخ علوان وزمكة ومصيبين، وتقع جميعها شمال مدينة الباب، حيث باتت على بعد 8 كيلومترات من المدينة التي تعتبر المعقل الرئيسي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الريف الحلبي.
وبالتوازي تواصل "قوات سورية الديمقراطية" حملتها في ريف مدينة الرقة، وسيطرت على قرى جديدة، أهمها قرية الهيشة، ما تسبّب في نزوح واسع للأهالي في معظم قرى ريف الرقة الشمالي إلى البراري. وقال ناشطون إن حركة النزوح زادت بعد قصف طيران التحالف الدولي والمليشيات الكردية بلدة الهيشة، ما تسبب في مجزرة بين الأهالي ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
وفيما أعلنت القيادة المركزية لعمليات المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي أن 24 غارة جوية أميركية في العراق وسورية بين 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 والعاشر من سبتمبر/ أيلول 2016 على أهداف لـ"داعش"، تسبَّبت بمقتل 64 مدنياً وجرح 8 آخرين، أكد ناشطون سوريون أن عدد الضحايا أكبر بكثير، إذ قُتل في مجزرة قرية الهيشة وحدها 23 مدنياً.
وفي الجنوب السوري، أطلقت فصائل المعارضة السورية معركة "لهيب الحرمون"، في محاولة لتخفيف الضغط عن مخيم خان الشيح المحاصر في ريف دمشق الغربي، وفك الحصار عن منطقة بيت جن المحاصرة أيضاً. وقال الناشط الإعلامي أنيس الجولاني، لـ"العربي الجديد"، إن اشتباكات دارت بين قوات المعارضة والنظام في محيط بلدة بيت جن، إضافة إلى مزارع بلدة خان الشيح من جهة الدير خبية، التي تسيطر عليها قوات النظام، أسفرت عن مقتل العشرات من الطرفين، لكن من دون أن تتمكن قوات المعارضة من التقدّم في المنطقة.
وتُعتبر هذه الاشتباكات الأعنف منذ نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي عندما أطلقت تشكيلات المعارضة معركة "قادسية الجنوب"، والتي كانت تهدف لفك الحصار عن مدن وبلدات ريف دمشق الغربي. وكانت قوات النظام، بمساندة مليشيات فلسطينية، سيطرت، الأربعاء، على نقاط في محيط منطقة خان الشيح المحاصرة بعد اشتباكات عنيفة مع فصائل المعارضة.
وفي الغوطة الشرقية، قتل خمسة مدنيين، ظهر أمس الخميس، بينهم طفل، وجرح عدد آخر جراء غارة جوية شنّتها مقاتلات حربية تابعة لسلاح الجو الروسي على مدينة دوما، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف طاول المدينة. واستهدفت المقاتلات بأكثر من عشر غارات جوية الأحياء السكنية في المدينة، بينما طاولت غارات مماثلة أحياء مدينة حرستا بالريف الشرقي.