صلابة المادة... الذرة والفراغ والإلكترونات الراقصة

26 سبتمبر 2018
يلتزم كل إلكترون بالنمط المحدد له (Getty)
+ الخط -
منذ قرنين تقريبًا وضع الكيميائي البريطاني جون دالتون "نظرية دالتون" التي لا تزال تلقى قبولاً واسعًا في المجتمع العلمي. تقول النظرية باختصار إن المادة والأجسام جميعها تتكون من ذرات وهذه الذرات تتكون الواحدة منها من نواة متناهية الصغر وسحابة من الإلكترونات سالبة الشحنة وأكثر صغرًا (لدرجة أن كتلتها مهملة أو عديمة الكتلة مقارنة بالبروتونات والنيوترونات موجبة الشحنة المكونين للنواة) تدور حول النواة على بعد مسافة كبيرة جدا من المركز في مدارات وهمية تسمى بمستويات الطاقة.
يقول وفق موقع "ذا كونفرسيشن" الأسترالي الأكاديمي: "إذا تخيلت طاولة حجمها أكبر مليار مرة من المعتاد، ستكون ذراتها في حجم ثمار البطيخ. ومع ذلك، تظل النواة الموجودة في المركز والإلكترونات الراقصة حولها أصغر من أن يُروا. إذًا، على الرغم من هذا الفراغ الهائل لماذا لا تمر أصابعنا عبر الذرات، ولماذا لا يمر الضوء عبر الفجوات؟"
لشرح السبب يجب علينا تفحص الإلكترونات. للأسف، كثير مما تعلمناه في المدرسة كان مبسطًا لدرجة مخلة بالحقيقة فمثلاً، لا تدور الإلكترونات حول مركز الذرة مثلما تفعل الكواكب في دورانها حول الشمس، لكن حركتها أشبه بحركة سرب من النحل أو الطيور، إذ تكون الحركات الفردية سريعة فيصعب تعقبها، لكنك تظل ترى الشكل الشامل للسرب.

رقصة الإلكترون
في واقع الأمر، ليس هناك كلمة تصف حركة الإلكترونات أدق من كلمة رقص. ترقص الإلكترونات رقصًا غير عشوائيًا؛ أكثر شبهًا برقصة البولروم (رقص زوجي)، إذ تتحرك وفق مجموعة أنماط (مجموعة حركات)، متبعة خطوات نصت عليها المعادلة الرياضية المسماة "معادلة شرودنجر".
يمكن أن تتنوع تلك الأنماط؛ فيكون بعضها بطيئًا ومتمهلاً، مثل رقصة الفالس بينما يكون البعض الآخر سريعًا ومفعمًا بالطاقة، مثل رقصة تشارلستون. يلتزم كل إلكترون بالنمط المحدد له، لكن قد يغيره من حين إلى آخر، طالما لا يتبع إلكترون آخر ذلك النمط. ولا يمكن لإلكترونين في ذرة واحدة القيام بالخطوة نفسها (أو نمط الحركة نفسه): وتسمى هذه القاعدة بمبدأ الاستبعاد.
ولا تكل الإلكترونات مطلقًا ولا تتوقف عن الحركة، منتقلة إلى مستوى طاقة أعلى (أداء خطوة أسرع) فتكتسب طاقة لشغله، وتنتقل إلى مستوى طاقة أقل (أداء خطوة أبطأ) فتفقد طاقة. ومن ثم عندما تسقط طاقة في شكل ضوء على إلكترون، يمكنه امتصاص بعض الطاقة والانتقال إلى نمط حركة "رقص" أعلى، وأسرع. لن يفلت شعاع ضوء مارًا عبر الطاولة، لأن الإلكترونات الموجودة في جميع الذرات متلهفة لانتزاع بعض الطاقة منه.



الشعور بالمقاومة عند اللمس
لماذا نجد ملمس الطاولة صلباً ومتماسكاً؟ هنالك تفسير شائع "خاطئ" يُرجع هذا الشعور بالصلابة إلى التنافر بين الأجسام سالبة الشحنة (الإلكترونات). لكن تعزى صلابة الطاولة في حقيقة الأمر إلى حركة الإلكترونات الراقصة وليس التنافر فيما بين شحناتها السالبة.
فإذا ما لمست الطاولة، تصبح إلكترونات الذرات المكونة لأصابعك "قريبة" من إلكترونات الذرات المكونة للطاولة. وحينما تكون إلكترونات ذرة شديدة القرب من نواة ذرة أخرى، تتغير أنماط حركاتها (رقصاتها). ويرجع ذلك إلى عدم قدرة الإلكترون الموجود في مستوى طاقة منخفض حول نواة إحدى الذرات على أداء نمط الحركة نفسه حول نواة الذرة الأخرى لأن أحد إلكتروناتها يشغل هذا الدور بالفعل. لذا يتحتم على الإلكترون الوافد الجديد شغل دور شاغر مستوى طاقته أعلى، وللتنفيذ يحتاج إلى اكتساب طاقة وتلك الطاقة التي يجب توافرها لن يكون مصدرها الضوء هذه المرة بل القوة الصادرة عن إصبعك المتحسس للطاولة.

ومن ثم فإن محاولة تقريب جميع ذرات الطاولة وذرات الإصبع معا تتطلب قدرًا هائلاً من الطاقة، أكثر مما تستطيع عضلاتك توفيره. وذلك ما تشعر به وكأنه مقاومة لإصبعك، ويعزى إليه صلابة الطاولة عند لمسها.

المساهمون