في مفهوم الفساد والحكومة الفاشلة

09 سبتمبر 2016
+ الخط -
لطالما كانت الدولة ذات سيادة فهي جزء من النظام الدولي، بما يعنيه هذا النظام من واجبات رئيسة للدولة تجاه مواطنيها، ترتبط بأمنهم وطرق معيشتهم ومستوى الرفاهية الممكن تحقيقه لهم، اعتمادا على ما تنتهجه من وسائل دعم واستثمار لاقتصادها العام والخاص. وكما يلاحظ، فإن أمن شعب أي دولة هو العنصر الأول والأساس في واجباتها، وحين تفقد الدولة السيطرة على الأمن وتحقيق السلام والاستقرار لشعبها، والسيطرة المطلقة على أذرعها الأمنية والعسكرية، فإنها تهوي بسرعة نحو درك الدول الفاشلة، ذاك أنها لا تستطيع بالنتيجة الحفاظ على تماسك وحدة شعبها وأراضيها وفقدان القدرة على بناء اقتصاد مستقر ومتطور، بما يعنيه من فقدان قدرتها على توفير الحاجات المعيشية لشعبها والحفاظ على، أو تطوير بناه التحتية.
وفي وطننا العربي اليوم، نماذج كثيرة على ذلك منها طبعاً العراق واليمن وليبيا وسورية إلى حد كبير؛ حيث تشترك هذه الدول بسماتٍ رئيسةٍ، كضعف السلطة التنفيذية وهشاشة القضاء والفلتان الأمني، بسبب كثرة توفر واستخدام الأسلحة والعنف من المليشيات والقوى غير الحكومية، بما جعل مواطنيها في مهب الريح، وأفقدهم الإحساس بالأمان بشكل شبه مطلق، كما شاع في هذه الدول التدخل الأجنبي المفتوح بشؤونها الداخلية، والحصول على مناطق نفوذ وممارسة القتل والتعرّض العسكري بكل صنوفه على أراضيها وشعوبها، وهو ما أثّر سلباً على علاقاتها الخارجية مع دول العالم والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وغيرها.
يفضي بلوغ الدولة مراحل متقدمة في التدني الوظيفي تجاه شعبها إلى أمر خطير جداً، هو أخطر من الحكومة الفاشلة نفسها، ذاك أن هذه الحكومة، وفي دولة كالعراق، على سبيل المثال، لابد أن تتغير يوماً، ولابد أن يخرج هذا البلد من حالة العبث والفوضى السياسية التي يعاني منها منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، الأمر الأخطر الذي لن يتغير بتغير أجهزة الدولة هو ما أسّست له الحكومة الفاشلة من فساد مبرمج وممنهج لكل مفاصل الحياة في العراق (كنموذج) لم تستثن فيه، أو تنجُ منه أية مؤسسة قضائية أو تنفيذية أو خدمية، وبالطبع الأمنية والعسكرية.
الفساد الذي يمر ذكره يومياً عبر سلسلة الأخبار الواردة من العراق، وبعد إعلان رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، منذ أكثر من سنتين، عن وعود مشدّدة لمحاربته، ثم جملة من التناحرات والتجاذبات المخزية بين أعضاء في البرلمان (العراقي)، وكشف المستور عن صفقات وملفات كثيرة متعلقة بهذا الأمر شديد الوطأة على العراقيين، وعلى كل من يتعامل مع العراق كدولة. بعد هذا كله، لم تتضح إستراتيجية حقيقية وجادة للإصلاح واجتثاث الفساد، حتى بات هذا السرطان الخبيث يجري في عروق الجميع في بلاد الرافدين، ما يجعل اجتثاثه يعني اجتثاث دولة كاملة، وإعادة بناء شعب كامل بمؤسساتٍ مدنيةٍ رشيدة بعيدةٍ عن التأثير العشائري والديني حيث تمرّغ كلاهما في وحل الفساد وبأساليب مكشوفة ومتنوعة.
تلك إذن النتيجة التي وصل إليها العراق (بشكل أساسي) وبقية الدول المشار إليها سابقاً؛
الدخول في لعبة الفساد من دون ترك مجال للمخلصين فيه لإعادته إلى جادة الطريق القويم لإدارة الدولة، وهو ما تسبب بمآسٍ كثيرة، كان من أبرزها تمكين تنظيم الدولة (داعش) من السيطرة على ثلث الأراضي العراقية، وتهديد الإقليم برمته، إضافة إلى حشر العراقيين في زوايا الظلم والقهر والعنف والتخلف الصحي والتعليمي والخدمي والاجتماعي. وقد كانت هناك نتائج سيئة كثيرة نسبت إلى سوء إدارة رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، والذي يبدو أنه لا يزال الرجل الأقوى في البلاد، فقد قام بتعزيز موضوع الفساد، بدءاً من قضية عقود الأسلحة مع روسيا، ثم الأسلحة والمعدات للأجهزة الأمنية، مثل كواشف السيارات المفخخة سيئة الصيت، وملفات شراء ذمم رؤساء العشائر بأموال غزيرة، مع تعزيز القدرات المالية المستقبلية لحزب الدعوة الذي يترأسه، وكل عقود النفط والإعمار مع شركات وهميةٍ أو مغمورة، والتي لم ير العراقيون منها شيئاً.
أثبتت حقائق سنوات العراق الصعبة والمريرة أن كل من تعرّض، أو يتعرّض، للفساد في العراق، من داخل المؤسسة الفاسدة أو عبر العمل الإعلامي أو القضائي، يتم التعامل معه بشكل عنيف وقاس، تكون في الغالب الاغتيال بشكل فردي، أو عبر سيارة مفخخة. أما الذين لا يتمكّنون من اغتياله لوجوده خارج العراق، فيتم عزله بعد تلفيق ملفات وشبهاتٍ حول عمله ومصداقيته، والشواهد كثيرة.
ميزان أي بلد هو القضاء، فإن صلح كان الجميع تحت مظلته خوفاً أو طمعاً، وإن فسد فالكل سيسقط في محن المظلومية وفقدان الحق، وتذهب الدولة برمتها مع كثيرين من أبناء شعبها نحو طريق الفساد سبيلاً إلى الغنى أو النجاة أو حرف الحقائق عن مواضعها. ولعل في وصية رسول الله إلى الصحابة المهاجرين إلى الحبشة، واصفا من خللها ملكها العادل النجاشي "إن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد". ذاك في الحبشة أيام النجاشي، أما في العراق الجديد، فقد اختارت السلطة القضائية، وبحسب أحكام كثيرة برأت فاسدين، أو ظلمت بريئين، أن تكون ضمن عناصر تأكيد عناصرالدولة الفاشلة، بمشاركة بقية السلطات هناك طريق الفساد.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن