كهنة المعبد في طاعة السلطان

كهنة المعبد في طاعة السلطان

19 يونيو 2014
+ الخط -
عُرِف عن الثورة السورية أنها كاشفة فاضحة، كشفت وفضحت وجوها وشخصيات اجتماعية وثقافية وفنية كثيرة، حتى أيضاً الدينية، ممن باعوا شعبهم ومأساته، ووقفوا إلى جانب المستبد والظالم. لنتوقف قليلاً عند تيار علماء الدين المناصرين والموالين للسلطة المستبدة في سورية، فبعد الدكتور محمد رمضان البوطي، ووقوفه علناً مع النظام، والمفتي أحمد بدر الدين حسون، الذي لم يخرج عن تملقه المعتاد للسلطة، ووصفه بشار الأسد بالمخلص، ووقوفه مع النظام في وجه الشعب المقهور. وقد صعدت إلى السطح ظاهرة جديدة، كانت قبل انطلاق الثورة، لكنها كانت تجمعات منزلية منعزلة، لا تخرج إلى العلن، وتقتصر عضويتها على النساء، ونقصد جماعة القُبيسيات، التي تعود النسبة في تسميتها إلى مؤسستها، منيرة القبيسي، والتي أسستها في ثمانينيات القرن الماضي. لكن، لا نعلم لماذا تتوخى هذه الجماعة السرية في طقوسها، هل هي تعليمات النظام، أم أن طقوسها تتطلب السرية؟ لا ندري، لكن ما نعرفه أن الظاهرة القبيسية لم تخرج إلى العلن، إلا لموالاة السلطة، ودعمها في حربها ضد السوريين.
هناك حقيقة معروفة، مفادها أن الأنظمة الشمولية تعتمد على الدين، لتستفيد من مكانة ممثليه لدى العامة، لما يملكونه من قيمة روحية، وسطوة رمزية، فهم يعملون على ترسيخ عبودية العامة للحاكم أو السلطة، في مقابل الامتيازات والمكافآت التي يحصلون عليها من السلطة لقاء ذلك. يتناقض هذا مع قول الإمام علي: "لا تكن عبد غيرك، وقد خلقك الله حراً"، فكيف، إذن، إذا كان الذي يرسخ عبوديتك رجل دين، أو قائماً على أمور الدين. ما يحصل هو استغلال مفضوح للدين لمصلحة السياسة، من نظام لا يُراعي أية حرمة دينية، فهو الذي قصف دور العبادة، ولم يسأل عن أي حرمة لها.
بحسب ميشيل فوكو، في كتابه "التهذيب والطاعة"، "الطاغية الذكي يستطيع أن يقيد الشعب بسلاسل أقوى من الحديد، عن طريق أفكارهم نفسهم"، طبعاً من يساند المستبد في استبداده هو القائم على الدين والطوائف والمذاهب. فيحول نفسه إلى خادم للطاغية، ليس حباً به، وإنما نفاقاً ورياء ودفاعاً عن غنائمه ومكتسباته. من الجدير بالذكر أن ماكينة الإعلام قديماً، كانت قائمة على الفتاوى والشعر، بحيث تعمل على ترويج مواصفات الخليفة ومآثره وإنجازاته، وما أشبه اليوم بالأمس. في المقابل، قد تتحول هذه الفئة، المنتفعة من الدين، إلى صفوف العامة، إذا وجدوا أن مصالحهم انتهت لدى الطاغية، وتمثلت لهم مصالح جديدة على الضفة الأخرى.
قرأت، مرة، قولاً لفلاديمير لينين "تحتاج الطبقات الحاكمة كلها من أجل الحفاظ على سيطرتها، إلى وظيفتين اجتماعيتين، الجلاد والكاهن". لذلك، فإن بعض رجال الدين، أو بعض العلماء، أو القبيسيات، أو غيرهم، ما هم إلا وسائل وأدوات في يد المستبدين، للسيطرة على العامة. آن الآوان لكي نتعلم، أن الدين ليس بحاجة لمن يتكلم باسمه، وهؤلاء بينهم وبين الطاغية مصالح متبادلة وقواسم مشتركة، وهالة التقديس التي تحيط بهم يجب أن تختفي من عقولنا. وقد كان مضمون خطاب النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، إلى كسرى وقيصر، "أن جئنا لنحرر الناس من عبادة العباد"، ولمن يبرعون في تبرير العبودية والاستبداد، وتحريم الخروج على أمر الحاكم، نذكر أن هؤلاء يتجاهلون القول الفصل، وهو" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
D2E09192-410D-49DC-84E7-5663E07D486C
D2E09192-410D-49DC-84E7-5663E07D486C
محمد زيكار (سورية)
محمد زيكار (سورية)