الطاغية يستورد الاستعمار الأجنبي

الطاغية يستورد الاستعمار الأجنبي

20 يوليو 2014
+ الخط -

تربت أجيال عربية عدة في كنف أنظمة استبدادية شمولية، مُنعت من التفكير الحر، ومن الديمقراطية، ومن الحريات السياسية والاقتصادية وغيرها. عملت الأنظمة على نشر أفكار وشعارات رنانة، لكنها فارغة من المضامين الحقيقة، تقوم على الاستقلالية السياسية والاقتصادية وعدم التبعية للدول الامبريالية، الطامعة بها وبخيراتها، وإن الدول الإمبريالية في حال تمكنها منهم ستقتلهم، وتشنع بهم وتحولهم إلى عبيد يخدمون أسيادهم الغربيين، كما فعل الإسبان مع الهنود الحمر، عندما دخلوا أميركا أول مرّة.

هذه الأفكار التي تنشرها الأنظمة الديكتاتورية، وتروجها، أقوال حق يراد بها باطل. لأن معاملة الأنظمة الاستبدادية ذاتها مع مواطنيها لا تختلف عن الاستعمار، وإنما تزيد، أحياناً، فهي تعدهم عبيداً يعملون في الدولة، على أساس نظام السخرة، تنهب وتسرق خيرات بلادهم ومقدراتها لجيوبها الخاصة، وتكدس الثروات على أنقاض بلادها وشعبها. وتؤمن الأنظمة أن الدولة ومؤسساتها ملك لها تتناقلها بالتوارث.

المقصد من نشر هذه الأفكار من الطغاة لا كما يدعون، وإنما لكي لا يسمحوا لأحد مشاركتهم ما يجنوه من ثروات، ولكي تبقى هذه الثروات ملكاً لهم وحدهم، ولن يسمحوا لأحد أن يقاسمهم بها، أو يحرمهم منها، وإن فكرت الشعوب بعكس ما يروجه لها النظام الاستبدادي فإن غضب العالمين سيحل بهم، وستتحرك الجيوش لسحق من فكّر، مجرد تفكير، بالحديث عن هذه الثروات، وإن لغة السوط ستكون العليا، وستعمل على إخضاع الشعب، لكي لا تسول له نفسه بالتفكير هكذا، مرة أخرى. وستحل بهم التهم، تبدأ بالعمالة ولا تنتهي بالخيانة. كما حصل في سورية، حين طالب الشعب بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية مشروعة، جوبه بأعتى أدوات القمع، واتهم بالعمالة للخارج المتربص بسورية.

وبعد تفاقم الأزمة، سمح النظام الاستبدادي بدخول استعمار إيراني للبلد، لكي يساعده بقمع الشعب المطالب بحقوقه، في مقابل حصول الإيراني على امتيازات كبيرة، وتحويل سورية إلى ولاية إيرانية، كما كانت في زمن العثمانيين تابعة للباب العالي، باتت تابعة لولاية الفقيه الآن. ذلك كله وأكثر لأن الشعب السوري فكّر، مجرد تفكير، بأن وطنه يسلبه منه نظام جثم على صدر الشعب أربعين عاماً من النهب والقتل والإجرام بحقه.

فلا حق للشعب سوى خدمة الطاغية، فهم، بنظره، مجرد أشياء وكائنات هزيلة، ولهم، أيضاً، حق شكر الطاغي، لأنه رضي بهم شعباً! لكن هذا المنهج تغير، فالشعوب خرجت من مرحلة الرضوخ والاستكانة إلى مرحلة التمرد والثورة، ولن تعود إلى حظيرة الطاغية، بعد أن كسرت ربيعها جميع الحواجز التي كانت تمنعها من الثورة والتحرك. 

D2E09192-410D-49DC-84E7-5663E07D486C
D2E09192-410D-49DC-84E7-5663E07D486C
محمد زيكار (سورية)
محمد زيكار (سورية)