لبنان المختنق

02 يوليو 2020
ضغط كبير على معيشة اللبنانية بهبوط الليرة (حسين بيضون)
+ الخط -

"لا أستطيع التنفس"، هذا هو لسان حال الشعب اللبناني مع الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة والعنيفة التي يمر بها منذ شهور، بل ومنذ سنوات، فالدولار فك عقاله ولا أحد يستطيع لجمه أو حتى ترويضه بعد أن وصل سعره أمس إلى نحو 10 آلاف ليرة في أسوأ انهيار تشهده العملة اللبنانية منذ الحرب الأهلية.

والسماسرة وتجار العملات والمضاربون وشركات الصرافة لم يعد أحد يكبح لجامهم بعد أن عجز مصرف لبنان عن تلبية احتياجات الأسواق من النقد الأجنبي مع تراجع الاحتياطي النقدي، وترك المصرف المركزي سوق الصرف الأجنبي نهبا لكل هؤلاء يتحكمون به كيفما يشاؤون، ويحركون الأسعار حسب مصالحهم لتحقيق أقصى رقم من الأرباح السريعة، بل وجذبت سوق الصرف عملاء جددا هم تجار المخدرات والسلاح وغسل الأموال وناهبي المال العام، لأن أرباح المضاربة في الدولار قد تفوق كثيرا عوائد السلع المحرمة التي يتاجرون بها.

حكومة حسان دياب تقف عاجزة عن حل الأزمة المالية المتراكمة لسنوات طويلة، لاهثة وراء حل بالمساعدة هنا وسراب ووعود بقرض هناك، والرهان على صندوق النقد الدولي لحل الأزمة الخانقة ليس سهل المنال في ظل الشروط الصعبة التي سيفرضها الصندوق على البلاد مقابل الإفراج عن القروض ومنها تعويم العملة، وإلغاء دعم السلع الأساسية مثل الوقود والخبز، وزيادة الضرائب والرسوم الحكومية بمعدلات كبيرة، وبيع أصول الدولة ورهنها لصالح الدائنين، ومكافحة فساد الطبقة الحاكمة، ومساهمة المودعين وحملة الأسهم في البنوك في خطة الإنقاذ التي سيتم الاتفاق على بنودها.

وحتى لو منح الصندوق لبنان "قرض إنقاذ" تتجاوز قيمته 10 مليارات دولار على عدة سنوات، فإن هذا المبلغ سيتم ابتلاعه في أيام في ظل ضخامة الفجوة التمويلية التي تعاني منها البلاد والبالغة أكثر من 56 مليار دولار، واستمرار تراجع إيرادات النقد الأجنبي، وكذا في ظل شح الدولار في البنوك والأسواق، وفقدان ثقة المتعاملين في الليرة، ورغبة العديد من عملاء البنوك في سحب أموالهم وتحويلها إلى الخارج خوفا من حدوث انهيار مالي واقتصادي وشيك، وتراجع التحويلات من الخارج التي تعد أبرز مصدر لتغذية احتياطي مصرف لبنان، خاصة مع احتجاز البنوك لأموال المودعين، وتراجع نشاط السياحة.

وحتى لو أبرم لبنان اتفاقا مع صندوق النقد، وهو أمر مستبعد في المستقبل القريب، فإن هذا لا يعني عودة سلسة للبلاد إلى أسواق الدين العالمية للاقتراض منها كما كان يحدث في السنوات الماضية في ظل التوقف عن سداد الديون الخارجية واهتزاز ثقة المستثمرين الدوليين في قدرة لبنان المالية، وقدرة المصرف المركزي على كبح جماح المضاربين وعودة الاستقرار إلى سوق الصرف.

والرهان على دول الخليج لدعم لبنان في هذا التوقيت الحرج خاسر، لأن لدى هذه الدول شروطها وأجنداتها وأبرزها لعب دور في المشهد الداخلي اللبناني، وخروج حزب الله من المعادلة السياسية، وهو أمر سيرفضه الحزب.

تفاقم هذا المشهد السوداوي الذي يعيشه لبنان واستمراره سيؤديان إلى تأزيم الوضع المعيشي للمواطن سواء على مستوى زيادات متواصلة في الأسعار، واختفاء لسلع رئيسية، وخفض الأجور مع إغلاق مئات الشركات أبوابها، أو تدني مستوى الخدمات العامة مثل انقطاع الكهرباء والمياه والاتصالات والوقود وغيرها، أو على مستوى الوضع الاقتصادي مثل زيادة معدلات الفقر والبطالة، وتراجع الإنفاق العام على البنية التحتية والخدمات.

ببساطة الكل يخنق لبنان، ولا أحد يريد المساعدة إلا حسب شروطه الخاصة والقاسية، والنتيجة النهائية أن المواطن اللبناني يصرخ "لا أستطيع التنفس" على غرار صرخة جورج فلويد التي هزت الولايات المتحدة وأشعلت مظاهرات واسعة في معظم الولايات هزت نظام ترامب وربما تؤثر على فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

المساهمون