وما دمت غير قادر على مقاومة الاغتصاب، فعلى الأقل استمتع، ولو كان مغتصبك يلبس كاكي، فتلك مدعاة للفخر، حيث إنك قد قمت بعمل وطني عظيم، تذكر الفنانات، نادية الجندي ونبيلة عبيد وميسرة، وغيرهن ممن جسدن أعظم القصص في وطنية السراير، أنت لا تقل عنهن وطنية وعشقاً لتراب مصر، هكذا تقول في قرارة نفسك، لكن بالله عليك وأنت تسرد لنا تضحياتك، أخبرنا كيف وفقت بين كل تلك الضديات، الاغتصاب، الاستمتاع، والفخر؟.
في افتتاحية المهرجان الأخير، سمعت السيسي يشكر شعبه لأنه تحمل القرارات الاغتصابية الأخيرة من أجل مصر، أقول الاغتصابية وأعنيها، فأنا لا أفهم في الاقتصاد، وما دمت لا أفهم فلن أفتي، لكني أعلم جيداً أن السيسي الذي أصدر تلك القرارات التي تحملها شعبه أصدر معها حزمة قوانين تخدم رجال الأعمال، وتضمن لهم الربح المريح، بمعنى أن الوطنية في عرفك أنت ورئيسك تلزمنا، معاً، بالتضحية لصالح رجال الأعمال، التي هي بالطبع تضحية لصالح مصر! أيها المواطن المغتصب وطنيّاً، منذ متى اتفقت مصلحة رجال الأعمال مع مصلحة الوطن؟ تذكر أحمد عز وحسين سالم ورفاقهما يا أخي البائس، هل تغيرت الوجوه؟ هل تعلم في مصر رجال أعمال غير تلك العصابة؟ بأي عقل تتوقع نتيجة أفضل؟ أعلم أن وطنيتك تمنعك من التفكير والرؤية ما دام السيسي يسمع ويرى، هو وحده يضع يده على منابع الخير التي ستنفجر في وجوهنا، جميعاً، بالتزامن مع قنبلة الصوت التي يفجرها الإرهاب في كل الأوقات، فيما عدا الأوقات التي يقرر فيها السيسي وحده أن يسود الهدوء أرجاء البلاد حتى يعود الضيوف الأجانب إلى بلادهم سالمين، دون أن يعكر صفوهم صخب القنابل، وحده يقف على الهاويس الذي سيفتحه لنرتوي بعد ظمأ سنين الجدب العجاف، وما دام ذلك كذلك فالوطنية تحتم علينا أن نقف خلفه صم بكم عمي ننتظر ثمار الوهم، لا نسمع إلا ما يقرأه علينا أحمد، ولا نرى إلا ما يشير عليه الرئيس، ولا نقول إلا ما يرضي رجال المباحث، ولقد رأيتك تنصت باهتمام لزميلك في العمل، وهو يتحدث عن جار له اعتقل أسرا حتى يقوم ابنه الإخواني بتسليم نفسه، وعندما ذهب الأخير إلى الشرطة ليسلم نفسه، قالوا له، أرسل في طلب أحد أقربائك ليتسلم جثة أبيك، حيث أنه قد مات بغيبوبة سكر، ثم أودعوه السجن، ولقد سمعت، أيضاً، أن مجهولين أطلقوا الرصاص، ليلاً، على كمين شرطة، وأن الحس الأمني لرجال المباحث قد قادهم إلى أن سائق البوكس الذي يطلب التفويل كثيراً يسرق السولار من التانك، من أجل ذلك قامت حملة أمنية مكبرة بالقبض على زميلك هذا بتهمة الاعتداء على الكمين، وبالصدفة البحتة تم ذلك عقب حديثه معك، ذاك هو الوجه الوحيد الذي تحتكر فيه معاني الوطنية، وليس للوطنية وجه سواه، الوطنية السهلة، الوطنية التي لا تجلب لك المشاكل ولا تودي بك إلى السجن بتهمة التظاهر، صحيح أنها تجلب لك الجوع وقد تودي بك إلى السجن بتهمة تبديد إيصال أمانة، إلا أن ذلك أخف ضرراً من ذاك.
على الشاطئ الآخر المنسي والمجرفة وطنيته يقف دومة خلف باب زنزانته ينادي على علاء الواقف خلف باب زنزانة أخرى في آخر العنبر: (البقية في حياتك يا علاء/ وما فائدة الباقي من حياتنا ونحن في السجن يا صديقي؟/ عزاؤنا أنه ربما يعيش أبناؤنا في حال أفضل/ هكذا كان يقول أبي دائماً، كيف حال أبنائه الآن؟/ ترى هل سيتكرر نفس المشهد بنفس الكلام بين أبنائنا بعد عشرات السنين؟/ بالطبع نعم/ أما أنا فلا/ ومن أين أتيت بكل هذا الأمل؟/ هل نسيت يا صديقي؟ أنا لم أنجب بعد، وعقوبتي سجن مؤبد).
تلك هي وطنيتنا أيها البائس، أرأيت كيف تقتلنا وتقتل أبناءنا من بعدنا إن سمح لنا نظامك بإنجابهم؟ شتان بينها وبين وطنيتك التي تستسهلها في التصفيق لضربة جوية لا تعرف تفاصيلها ولا تبعاتها والتهليل لمشاريع ندفع ضريبتها معاً، بينما ثمارها يجنيها غيرنا، الوطنية التي تلزمك بألا تسأل نظامك الكاكي لماذا وأين، وأن تبرر قتل الناس بالشبهة وسجنهم بالباطل، لن نتفق أنا وأنت، فسوف تظل في نظرنا مغتصباً بائساً يدعي الاستمتاع والفخر، وسوف نظل في نظرك لا وطنيين، إلا أنه ورغم ذاك الخلاف الأبدي بين وطنيتنا ووطنيتك ربما نلتقي نحن وأنت في طابور طويل على أعتاب وطنية أخرى تجمع الفرقاء جميعهم.. وطنية بتاعة البنزين.
(مصر)