ومن الاشتياق ما قتل

ومن الاشتياق ما قتل

14 يناير 2015
نسلك دروب العاشقين.. ولا نكتفي! (Getty)
+ الخط -

أن تشتاق إلى نظرة، لمسة يد، حضن دافئ ممن تحب، هو أمر طبيعي، لكن أن تشتاق إلى مجرد الكلام معه، مجرد ملاقاته في أي مناسبة، انتظارك لأي كلمة يقولها، ولو لم تكن من كلام الحب، ارتباطك بالأماكن التي يفضل الذهاب إليها، الأغنيات التي اعتاد سماعها، الأكلات التي يفضلها، اشتياقك إلى كل ما يحبه هو وجعلك أنت تحبه بالتبعية.. بالطبع ليس أمرًا طبيعيًا، إنما هو طُموح إلى مدد وإيثار يعسفان بروحك.

في الاشتياق يقع الجانب الروحاني من الحب، المحبب إلى نفس المُحبين، برغم ألمه أحياناً، يقع ما لا نقدر على لمسه، وإنما فقط ننتظره، بقلوب مكتوفة، بأرواح ملهوفة، طمعاً في أن تنتشي تلك الأرواح اللاهثة من فرط اللهفة وتلك القلوب المضناة من فرط الانتظار، بوصال الحبيب، بنظرة منه، بمدد، بحياة أخرى وردية، لا جور فيها ولا خداع. نُحب بلا هدف، نأمل في الوصال، نسلك دروب العاشقين.. ولا نكتفي!

في عدم الاكتفاء، تكمن عظمة الحب، فمهما نلنا من وصال، مهما مرت السنون في جوار الحبيب، لا نمل ولا نكل، نطمح في المزيد، قد لا يكون هناك مزيد، ولكننا نستمر في الطموح إلى ما لا نهاية، تتناسخ الأرواح وتترسخ معزوفات الحب في الأرواح، وما زلنا مستمرين في طموحنا، علنا لن نجد مزيداً، ولكن هكذا حال العاشقين في ساحة الحب المُقدسة، لا يكتفون من الوصال، ولا يملون من طلب المزيد.
بالوصال تُبنى الجسور الموصلة إلى من نحب.. حيث إكسير الروح وترياق جروحها.

ذلك الإحساس الذي لا وصف له، الذي ينتابنا عند لقائنا بالمحبوب، السحر القابع في أعينه، البلاهة التي تملكنا عند النظر إليها، رعشة الجسد وانسيابه، خفة الروح الأسطورية التي نكون عليها في هذا المقام، كل هذا من عظام الأمور التي لا محل لها من التفسير، ربما خلق الله هذا العالم لكي يمدنا بهذي العظام من الأمور!

في مدح من نحب، تتواتر الكلمات وتتدافع، مشكلة لوحات أراد بيكاسو وليوناردو دافينشي رسمها ولكنهم، بالطبع، فشلوا!

وُجِدت الكلمات متفرقة، يشكلها كل بطريقته، برع بعض البلغاء والشعراء في تشكيلها، برع كل العشاق في تشكيلها، حتى لو كانت مثلاً يُحتذى به في الركاكة وضعف البناء، لكنها تكون لدينا بمثابة أعظم أبيات الشعر، هذا حال العاشقين، ما يعتبر عادياً لديهم، لا يعد كذلك، عندما يصدر ممن يحبون، بل ما يُعد سيئًا قميئًا، يُعد أحياناً لديهم جميلاً، يَجُب الحُب ما سواه من الخبرات السابقة، يُغلف كل شيء بغلافه المُتفرِد، فيجعله جميلاً ومحبباً لدينا.. لو علم من فارقوا هذا العالم دون أن يصادفهم الحب، بحلاوة الحب وسحره، لماتوا رغم موتهم!


*مصر

المساهمون