ييفنغ وكيهوا... فلسفة الحركة الدائمة

02 يوليو 2020
(جزء من عمل لـ تشين ييفنغ، من المعرض)
+ الخط -

في نهاية السبعينيات، برزت موجة تجريب قادها فنانون صينيون قدّموا تجارب متنوّعة في الرسم والنحت والأعمال الإنشائية التي باتت تستضيفها المتاحف وتنال الجوائز التكريمات، بعد أن هيمنت الانطباعية والتعبيرية على المشهد الفني طوال العقود الماضية.

بدأ تشين ييفنغ تطوير أسلوبه الخاص في التجريد ضمن مجموعة عرضت أعمالها الأولى بمدينة شنغهاي، مهووساً بالخط المستقيم وتقاطعات الخطوط المنحنية المستمدة من الرسم الصيني القديم مستخدماً وسائط متعدّدة كالرسم والفوتوغراف والمزج بينهما.

يجتمع الفنان الصيني (1961) مع مواطنته الفنانة الأدائية لي كيهوا (1993) في معرض مشترك أعيد افتتاحه نهاية الشهر الماضي (يونيو/حزيران) في فضاء "آيسيسل" بباريس تحت عنوان "1+1=1" ويتواصل حتى الحادي والثلاثين من آب/ أغسطس المقبل.

يضمّ المعرض أعمالاً تنتمي إلى سلسلة الخط التي ابتكرها ييفنع منذ عشرين عاماً، وتشبه سيقان نبات البامبو (الخيزران) التي كانت مادة أساسية في الفنون التقليدية ببلاده في تشخيص المناظر الطبيعية والبشر أيضاً، حيث يتمّ تشكيلها بطريقة تحاكي اللوحات الراقصة التي تعرضها كيهوا في الفيديو الذي يبثّ خلال ساعات العرض.

يضع الفنان ما يسمّيه سجلاً زمانياً ومكانياً للطبيعة

يضع الفنان ما يسمّيه "سجلاً زمانياً ومكانياً" للطبيعة التي يحوّلها إلى أفكار مجرّدة، منطلقاً من مفهوم فلسفي ينفي المستقبل والماضي، حيث المستقبل لإنسان هو الماضي بالنسبة إلى إنسان آخر وعكسه صحيح، بحيث يقع الفعل البشري تلقائياً محكوماً بعنصر الصدفة، غير متأثّر بما مضى ولا آبه لما هو آت، وبذلك يصبح أكثر واقعية، وأكثر أصالة وروحانية في الوقت نفسه.

يصبح الواقع هنا حركة دائمة وخالدة وبذلك يكتسب معناه غير المتصل بما هو خارجه من مؤثرات وعقائد وتصوّرات مسبقة، في لوحات منفّذة بالزيت على القماش بعدة ألوان أبرزها الأزرق من أقصى سطوعه إلى أعلى درجات إعتامه، كما يوضّح بيان المعرض: "تضيع في الخط والخطوط المجردة ما يعني أنها تدخل إلى عالم حيث لا يوجد المزيد قبله وبعده. لا يوجد سوى تناوب اليين واليانغ؛ فارغ كامل".

تتكئ كيهوا في أدائها الراقص خلال الفيديو على المفهوم ذاته المستوحى من الفلسفة الصينية القديمة، التي تتأسس على أن الكون يخلق نفسه من الفوضى الأولية للطاقة المادية المنظّمة في دورة ثنائية حيث طاقة اليين "الأسود" وطاقة اليانغ "الأبيض" تتشكّل من خلالهما الحياة، وهما ليسا أبيض وأسود تماماً مثلهما مثل أي شيء آخر في الكون.

ترقص الفنانة على إيقاع كونيوشي يامادا، أحد أنواع الطبول في الفنون التقليدية بالصين، وبين شرائط بيضاء يتحرّك جسدها مثل خيط تتواصل حركته بلا توقف، كأنها تدور في عملية تنويم مغناطيسي من دون بداية أو نهاية في تدفق أبدي لا نهاية له، تنطلق من الجسد باتجاه الروح.

تلفت أستاذة الفن الصيني ومنسّقة المعرض بيا كاميلا كوبر إلى أن الفكرة الأساسية التي يبحث عنها ييفنغ منذ التسعينيات، وطرحها في سلسلة خطوطه وجد لها أخيراً تعبيراً موازياً عبر أداء كيهاو؛ إنه بحث بصري ونظري طويل حول الصدفة البحتة، ليغدو حينها عنوان المعرض عتبة ضرورية للوقوف على محتوياته.

 

المساهمون