منذ سيطرة العثمانيين على منطقة بلاد الشام عقب انتصارهم على المماليك في معركة مرج دابق عام 1516، خرجت منطقة شرق الأردن عن حكمهم المباشر فترات عديدة، خضعت خلالها لنفوذ الأمير فخر الدين المعني وظاهر عمر الزدياني وأحمد باشا الجزار والعديد من القبائل البدوية.
أكثر من أربعمئة عام يستعرضها أستاذ التاريخ الإسلامي فاضل بيات في كتابه "الأردن من خلال وثائق الأرشيف العثماني"، اعتماداً على مئات الوثائق المحفوظة في الأرشيف العثماني في إسطانبول، ومعظمها تنشر لأوّل مرّة.
الكتاب الذي صدر حديثاً عن "مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي" و"مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية" (إرسيكا) باللغتين العربية والتركية العثمانية، يكشف عن بدايات توطيد الحكم العثماني، وتمكينه، وعلاقة السلطنة مع الزعامات المحليّة، فضلاً عن التدابير والإجراءات والقرارات الإدارية.
يرصد الكتاب تحوّلات المجتمع وظهور التعليم والطبابة والنشاط التبشيري وأمن قافلة الحج الشامي
كما ترصد الوثائق تحوّلات المجتمع وظهور التعليم والطبابة والنشاط التبشيري وأمن قافلة الحج الشامي، والموقف العام من إجراءات السلطنة وقراراتها، إلى جانب الفرمانات والإنعامات التي صدرت عن السلطنة؛ لتكريم الزعامات والأعيان المحليين في الأردن عام 1916، والتي تزامنت مع دخولها الحرب العالمية الأولى في تلك السنة.
يفنّد الكتاب الرواية الغربية والدراسات المتاثرة بالسردية الكولونيالية عن تأسيس شرق الأردن، وإظهاره بأنه كان منطقة خالية من السكّان والتنظيمات، وأن قرار تأسيسه عام 1921 هو بداية تكوين هوية تلك المساحة الجغرافية من جنوب ولاية الشام، حيث تردّ الوثائق الموجودة على هذه الآراء من خلال تبيان طبيعة المجتمع والتكوينات الاجتماعية وأنماط الإنتاج فيه، وأدوار الزعامات المحلية وعلاقتها مع المركز في إسطنبول.
ويشير إلى أن اسم الأردن لم يكن مستخدماً في العهد العثماني للدلالة على منطقة معينة، وإذا استثنيت بضعة وثائق ورد فيها اسم نهر الأردن، فإنه يتطلب البحث عن منطقة الأردن من خلال أسماء البلدات والقرى والعشائر والشخصيات (من دون أل التعريف) مثل: كرك، ومعان، وشوبك، وعجلون، وسلط، وعمّان، ومادبا، وكفرنجة، وحصن، ومجالي، وعدوان، وبني عبيد، وبني عطية، وبني صخر، وبني حسن، وحويطات، وشركس... إلخ.
يتضمن الكتاب ثلاثة عشر فصلاً، هي: بداية توطيد الحكم العثماني في مناطق عجلون والكرك والشوبك ومعان، وعائلة قنصو بك الغزاوي أمراء عجلون والكرك، وعهد الباشوات، والشؤون الإدارية، والشؤون البلدية والعمرانية والصحية والخدمات العامة، وشؤون التعليم والمؤسسات التعليمية، والمؤسسات التعليمية المسيحية والتبشيرية، والشؤون القضائية، والمؤسسات والأوقاف والشؤون الدينية الإسلامية، وشؤون الطوائف المسيحية، وشخصيات أردنية في الإدارة المحلية ومجلس المبعوثين العثماني، وتكريم وجهاء البلدات وشيوخ العشائر، وإسكان المهاجرين.
كما قام ُمعد هذا الكتاب بنشر أربعمئة وثلاثة عشر صورة وثيقة من وثائق الأرشيف العثماني، جرى اختيارها من التصنيفات المختلفة للأرشيف، وعمل على استعراض المعلومات الواردة فيها، وتبويبها موضوعيًا وترتيب كل ما يتعلق بالموضوع من الناحية الزمنية، والإحاطة جهد الإمكان بحيثيات الموضوع الواحد بشكل متكامل، وحسب ما ورد في الوثائق وتفريغ المعلومات الواردة فيها.
يُذكر أن فاضل بيات عمل أستاذاً للغة التركية والتاريخ، وأصدر العديد من المؤلّفات منها "السيطرة العثمانية على العراق"، و"السيطرة العثمانية على بلاد الشام"، و"الأوضاع الاقتصادية والإدارية في الإيالات العربية في القرن السادس عشر الميلادي - قراءة في أفكار المؤرخ العثماني مصطفى نوري باشا"، و"الزعامات المحلية في بلاد الشام في النظام الإداري العثماني (1516-1832)"، وغيرها.