قصيدة ألمانية لغزّة.. هذا كلُّه أليس حرب إبادة؟

15 مايو 2024
ديتر دايم
+ الخط -
اظهر الملخص
- قصيدة "غزة غزة" لديتر دايم تعبر عن التضامن مع الفلسطينيين وتنتقد تعامل الحكومة الألمانية مع قضايا دولية، مثيرةً جدلاً في الأوساط الإعلامية والسياسية الألمانية.
- إلقاء ديتر هالرفوردين للقصيدة يهدف لتأثير عميق على الجمهور، خاصة كبار السن، لفتح نقاش حول القضية الفلسطينية ومعاناة غزة.
- ردود فعل متباينة من الإعلام الألماني، بعضها يتجاهل الرسالة الإنسانية للقصيدة ويشهر بمؤلفها وملقيها، مما يعكس التوتر حول مناقشة الفصل العنصري والإبادة.

موجةٌ من السعار الاحتجاجي أثارتها قصيدة ألمانية بعنوان "غزّة غزّة" في وسائل الإعلام الألماني، وهو سُعار أصبح أشبه بردّ فعل لا إرادي على كلّ ما يُنشر ويُقال تضامناً مع الفلسطينيّين. كاتب القصيدة هو الشاعر والسياسي الألماني اليساري ديتر دايم، الذي تنقّل بين عدد من الأحزاب السياسية، وكان نائباً في البرلمان، وأثار موجات من الجدل بسبب آرائه حول الحرب مع روسيا، وانتقاده تعامُل الحكومة الألمانية مع وباء كورونا. 

نُشرت القصيدة على أكثر من منصّة إعلامية، ومنها يوتيوب، وقد ألقاها أحد أشهر الممثّلين الألمان، ديتر هالرفوردين، مع عددٍ من المقاطع المصوّرة التي تُظهر مشاهد قاسية للدمار والمعاناة في غزّة. 

ينتمي ديتر هالرفوردين، البالغ من العمر 88 عاماً، إلى "الزمن الجميل" في ألمانيا؛ حيث تُعدّ الكثير من أعماله جزءاً من كلاسيكيات السينما والتلفزيون، ولا تزال الكثير من عباراته متداوَلة ومنتشرة كجزء من الثقافة الشعبية، وخصوصاً من سكتشات "هراء بلا توقُّف" التي حقّقت انتشاراً واسعاً في السبعينيات والثمانينيات.

فنّان ثمانيني يُخاطب أبناء جيله الصامتين عن الإبادة

لذا يُمكن أن يُنظَر إلى أنّ اختياره لإلقاء القصيدة يُقصَد منه إحداث تأثير فعّال على جمهوره الواسع، وهُم في الغالب من كبار السنّ في ألمانيا، وهذه الفئة بالذات هي التي تُصرّ على صمّ آذانها عن كلّ ما يُقال بموضوعية عن الإبادة الجماعية في غزّة، وتُظهر تماهياً مع الرواية الإسرائيلية ومسانَدةً غير مشروطة لآلة التقتيل في فلسطين، وذلك كنوع من "العمل التطهيري" للجرائم التي ارتكبتها ألمانيا بحق اليهود، والتي ربما عاشها هؤلاء وسكتوا عنها.

وبعد نشر القصيدة، سرعان ما بادرت صحف ألمانية إلى التشهير بالرجُلين، وتجاهُل مضمون القصيدة، فهذا كاتبٌ في صحيفة "إن دي" يكتب متسائلاً: "كيف يكسب ديتر وديتر اهتمام الجمهور؟"، ليُجيب: "يكتبان قصيدة هابطة"، قبل أن يسخر من عنوان القصيدة، ومن الفيديو الذي يبدو أنّه صُوّر بعفوية ومن دون إمكانيات مكلفة.

أمّا صحيفة "زيورخ الجديدة"، فكتبت أنّ "ديتر هالرفودين يقاتل من أجل غزّة"، بينما اتّهمت صحيفة "هُنا بافاريا" القصيدة بـ"معاداة إسرائيل". ولم يغِب عن كاتب المقال أن يصف "إسرائيل" أكثر من مرّة بالدولة اليهودية، ويَعتبر أنّ وصمها بـ"الفصل العنصري" - كما ورد في القصيدة - هو "قضية شديدة الحساسية في النقاش السياسي". 

يحدث كلُّ هذا على الرغم من أنّ الممثّل ديتر هالرفوردين عبّر، في بداية الفيديو، عن إدانته هجوم السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر، وطالب بإطلاق سراح الأسرى والمحتجَزين لدى "حماس"، وعلى الرغم من أنّ القصيدة تحمل طابعاً إنسانياً خالصاً في التعاطف مع الضحايا الذين لا تستطيع أيّة آلة إعلامية أو سياسية أن تُنكر أو تراوغ بشأن فداحة جرائم الحرب التي تُرتكب ضدّهم. هنا ترجمتنا للقصيدة:

غزّة غزّة
 
رجُل يضغط بأصابع مهلهلة
على لحيته ويهمس في رأسه: 
"ماذا فعل هؤلاء الصغار 
للجنرالات والزعماء؟"

ثم يرفع أجساد أطفاله
إلى الله،
ومرّةً أُخرى هنا رجُل 
لن يدع شيئاً أو أحداً

هل أنصح هذا الأب
أن يبقى هادئاً كضيف في توك شو؟
أن يحاول جهده ألّا يقول
كلمةً قد تُعدّ معادية للسامية؟

كلُّهم هنا مع الفصل العنصري
من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين
يُرسلون القنابل آملين،
أن تقتل بأرقِّ طريقة ممكنة

عند بشر يُهجَّرون كأنّهم أنعام
بالتجويع والطيران الحربي
ستبقى مقبرة الأطفال هذه
كابوساً لأجيال وأجيال

الغضب المتفجّر من العجز
لم يتمنَّه لنفسه أحد
ماذا عن القوّة التي تصنع الوحوش
بحسابات باردة؟

غزّة غزّة 
سأطبِق جفنيَّ
أمام الصارخين لعجزهم
أمام الأشلاء الممزّقة
لكن سيظلُّ سؤالي عالقاً:
"هذا كلُّه أليس حرب إبادة؟".

 

المساهمون