وقفة مع لطفية الدليمي

وقفة مع لطفية الدليمي

17 نوفمبر 2022
لطفية الدليمي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة حول انشغالاتها وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "لستُ راضية أبداً، وأُصارع الزمن لإنجاز المزيد"، تقول الروائية والمترجمة العراقية في حديثها إلى "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
ربما سيكون أمراً غريباً ــ أو غير متداول في الفضاء الثقافي، في أقلّ تقدير ــ لو قلتُ إنّ ما يشغلني منذ ما يُقارب خمس سنوات هي المعضلات التي يُمكن توصيفها بالأسئلة الكُبرى في الوجود البشري والفكر الإنساني بعامّة. يُقصَد بالأسئلة الكبرى المُساءلات الخاصّة بأصل الكون والحياة والوعي: هذا الثالوث الذي يُمكن، تحت لافتته العريضة، الولوجُ إلى كامل النسق المعرفي البشري. لو قيل لي قبل عقد من اليوم إنّ هذه الأسئلة التأصيلية ستكون موضع اشتغالي القادم، لكان عصيّاً عليّ تصديق الأمر؛ لكنّ هذه بعض جوانب الحركية النشِطة للعقل البشري الشغوف بأصول الأشياء.

■ ما هو آخر عمل صدر لكِ وما هو عملكِ القادم؟
آخر عملٍ لي هو روايتي "مشروع أومّا" (دار "المدى"، 2021)، التي أردتها استكشافاً بشرياً للإمكانات الفردية الخبيئة التي يُمكن لها أن تتفجّر من مكمنها لو قُيّض للإنسان الإمساك بمفاتيح فكّ الشيفرة الخاصّة بتلك الإمكانات. عملية فكّ الشيفرة الخبيئة لا بدّ أن تقترن بمسعىً خَلاصيّ، وهذا القول ينطوي على التصريح بأنّ روايتي تندرجُ في نطاق الروايات ذات الرؤى الخَلاصية.
أمّا عملي القادم، فهو ليس عملاً مفرداً بل مجموعة أعمال بين روايات ومذكّرات شخصية باريسية ومسرحيات ومجموعة من أعمال ترجمية ذات طبيعة فلسفية وعلمية. أعمل في العادة على أعمال متباينة المقاصد والأجناس، ولا أطيق الاصطبار في نطاق معرفيّ ضيق وأحاديّ اللون. 

■ هل أنتِ راضية عن إنتاجك ولماذا؟
لستُ راضية أبداً، وأُصارع الزمن لإنجاز المزيد، ما بين تأليف وترجمة ومقالات صحافية وموضوعات ثقافية. لم أرضَ يوماً عمّا أنجزت، ولعلّ السبب وراء هذا هاجسٌ بولوج عوالم جديدة في كلّ عمل جديد. أحزنُ كثيراً ــ وإلى حدود قد تكون مَرَضية ــ متى ما شعرتُ بالقدرة على إنجاز عملٍ لم يُنجَز في وقت معقول أو تأجّل لسبب أو آخر.

انكمشت أحلامي إلى تضاؤل السطوة النيوليبرالية المتوحّشة

■ لو قُيّضَ لكِ البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟
أرى في هذا السؤال نقصاً جوهرياً. لو بدأتُ من جديد وعشتُ الظروف المجتمعية والاقتصادية والنفسية ذاتها التي عشتُها، فأظنني كنتُ سأسلكُ الدرب ذاته الذي سلكته. لكنْ لو تغيّرت الظروف، فسيكون من المنطقي الافتراض أنني كنتُ سأسلك درباً آخر. أظنّني كنتُ سأختارُ أن أكون متخصّصة في الفيزياء النظرية أو الرياضيات التطبيقية أو الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب. أؤمن كثيراً برؤية العوالم المتوازية؛ لذا كلّ حلمٍ لم أحقّقه في حياتي، أكون قد حققتُه في عالم موازٍ. أليستِ الكتابة والترجمة عيشاً في عوالم موازية؟

■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
خفّت الجرعة الحُلْمية في ما أبتغيه للعالم بسبب حجم اللاعقلنة والغباء البشري اللذين يعيشهما عالمنا المعاصر. انكمشت أحلامي إلى جوهر صغير يتمنّى تضاؤل السطوة النيوليبرالية المتوحّشة التي تسحق الفقراء وتزيدُ أعباء العيش على الكثرة الغالبة من سكّان هذا العالم. أرتعبُ كثيراً عندما أفكّرُ أن هناك فرداً من البشر يعيشُ ويغادرُ هذا العالم ويرى في هذه المغادرة تخفُّفاً من هَمّ ثقيل يفرضه العيش في جحيم؛ فكيف لو كان ثمة مئات ملايين البشر يفكّرون على هذه الشاكلة؟ 

■ شخصية من الماضي تودين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 
هو القطب المعتزلي الأكبر أبو حيان التوحيدي. كنتُ سأُسائله في موضوعات كثيرة وخطيرة أظنُّ أنه أحجم عن البوح بها أو تسجيلها لأسباب هو أدرى بها! الحديث مع التوحيدي هو في نهاية المطاف استنطاق لجهود العقلنة في الحضارة العربية ــ تلك العقلنة التي وأدتها سيوف الأصولية التي ترتكنُ إلى المواضعات الفقهية ولا تستطيب التلذّذ بأفعال التفلسف البشري من مُساءلة وتقليب وجهات النظر وافتراض أحوال مخالفة للسائد الأعمّ.

الحديث مع التوحيدي استنطاقٌ لجهود العقلنة عربياً

■ صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
كثرٌ هم الأصدقاء والصديقات الذين تمرّ أطيافهم بخيالاتي، وليس من مسوّغ أو منفعة للقارئ في أن أذكر أسماءهم.
أمّا الكتاب الذي أعودُ إليه دوماً، فالحقّ أنه ليس كتاباً واحداً بل مجموعة كتب؛ لكن تبقى "ملحمة كلكامش" الرافدينية العمل الذي أتوقُ للعودة إليه بين حين وآخر. لا بأس أن أذكر في هذه الفسحة أنّ لديّ تقليداً سنوياً حرصتُ عليه منذ أربعة عقود يقضي بأن أقرأ "ملحمة كلكامش" مع مُفتَتح كلّ عام جديد.

■ ماذا تقرأين الآن؟
أقرأ مجموعة كتب في وقت واحد؛ فأنا لا أقرأ كتاباً واحداً حتى أكمله، وكذلك أنوّعُ في قراءاتي بين العربية والإنكليزية. أقرأ كتاباً لـ هاروكي موراكامي عنوانه "الروائي كمِهنة" (Novelist as a Vocation)، وكتاباً في فلسفة العِلم للفيزيائي وعالِم الفلك الأميركي شون كارول (Sean Caroll)، عنوانه "الأفكار الأعظم في الكون" (The Biggest Ideas in the Universe). أقرأ أيضاً روايات حديثة وقديمة لكلّ من إليزابيث غلبرت، ومارغريت آتوود، وكورماك مكّارثي. 

■ ماذا تسمعين الآن وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
لفيروز حصّتها الصباحية المعتادة كطقس يومي؛ ولكلّ من إنغلبرت همبردنك ونجاة الصغيرة أوقاتٌ مقتطعة من بعض أيّامي؛ لكن في العادة أفضّلُ الموسيقى الخالصة على الغناء. المثال الأعظم لديّ بين الموسيقيين هو موتسارت، ثمّ يليه فيفالدي.

 

بطاقة
كاتبة وروائية ومترجمة وناشطة ثقافية عراقية، من مواليد عام 1939 في بلدة بهرز بمحافظة ديالى. عملت في التدريس ثم في الصحافة الثقافية العراقية. لها نحو ستّين عملاً بين تأليف (روايات وقصص ومسرحيات ودراسات وأدب رحلة) وترجمة، كما تنشر مقالات حول مختلف المشارب المعرفية في الصحافة العراقية والعربية. من آخر أعمالها دراستا "إضاءة العتمة: أفكار ورؤى" (2020)، و"كاليدوسكوب: الإنسان والعالم من منظورات متعدّدة" (2021).

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون