تستمر في تونس مطالب إيجاد حلول لأزمة تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة بما يسمح لصغار المستثمرين بالحد من اللجوء إلى "الشيك" كوسيلة دفع مؤجلة، بعد أن تسبب الاستعمال المكثف له في انزلاق الآلاف منهم إلى قضايا التعثر عن السداد.
ويطالب أرباب الأعمال في تونس بإيجاد بدائل لتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى جانب سن مشروع قانون يسهل الانتقال إلى اعتماد الشيك الإلكتروني.
وتطرح المنظمات المهنية المدافعة عن حقوق أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة الشيك الإلكتروني كحلّ بديل للحد من قضايا الشيك بدون رصيد التي تسببت في أحكام سجن لآلاف التونسيين أو فرارهم إلى الخارج هربا من الأحكام القاسية، بعد رفض البنوك أكثر من 2.1 مليون شيك بدون رصيد خلال النصف الأول من العام الماضي.
والشيك الرقمي الذي تطالب جمعيات مهنية باعتماده في تونس هو المكافئ الإلكتروني للشيكات الورقية التقليدية، وهو رسالة إلكترونية مُوثقة ومؤَمنة يُرسلها المُصدر إلى المستلم ليعتمده ويقدمه للبنك الذي يتعامل معه عبر الإنترنت، ليقوم البنك أولاً بتحويل القيمة المالية إلى حساب حامل الشيك أو إلغائه في صورة عدم كفاية الرصيد.
ويقول المتحدث باسم الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة عبد الرزاق حواص، إن متوسطي وصغار المتعاملين الاقتصاديين هم أول ضحايا تأخر اعتماد حلول جديدة ومتطورة للحد من قضايا الشيك بدون رصيد ومخاطرها على النسيج الاقتصادي.
وأكد حواص لـ"العربي الجديد" أن الجمعية قدمت حلولا تقنية للسلطات المالية من أجل اعتماد الشيك الإلكتروني كوسيلة دفع حينية أو آجلة، غير أن هذه الحلول تتم عرقلتها خدمة لمصالح لوبيات تراكم الثروات من قضايا الشيكات غير المستخلصة.
وأشار إلى أن كفاءات تونسية طورت تطبيقات حديثة تمكن من التثبت من كفاءة الأرصدة لتجنّب الشيكات غير المستخلصة، غير أن السلطات المالية ترفض اعتماد الحلول التقنية الحديثة، فاسحة المجال أمام البنوك لمراكمة أرباح من العمولات الموظفة على الصكوك المرفوضة.
وأفاد أن الجهاز المصرفي يرفض اعتماد الشيكات الإلكترونية، بحجة الكلفة المرتفعة لوضع نظم جديدة للاستخلاص رغم كشف دراسة قامت بها وكالة السلامة المعلوماتية لأكثر من 64 ثغرة في أنظمة استخلاص الشيكات التي تعتمدها البنوك منذ عام 2017.
وتحدث الحواص عن فرار 10800 تونسي إلى بلدان مجاورة هربا من قضايا الشيكات، بينما تم إدراج 450 ألف شخص في التفتيش في هذا الصنف من القضايا من بينهم أصحاب مؤسسات صغرى ومتوسطة تعثرت أعمالهم. كما انتقد حواص صبغة النفاذ العاجل لأحكام السجن في قضايا الشيك بدون رصيد، معتبرا أن الاحكام العاجلة تقتل كل المبادرات الاقتصادية المتعثرة.
وتكشف بيانات صادرة عن البنك المركزي التونسي حول وسائل الدفع أن الشيكات المرفوضة لعدم توفر الرصيد زادت بـ17.7 في المائة خلال النصف الأول من سنة 2022 وذلك بما قيمته 1.4 مليار دينار (الدولار = نحو 3.1 دنانير).
وذكرت ذات البيانات أن الدفع عن طريق الشيكات تطور خلال ذات الفترة بـ6 في المائة حيث تداول التونسيون ما يزيد عن 12 مليون شيك من بينها 2.1 مليون شيك بدون رصيد جرى رفضها من قبل البنوك.
وتنص المادة 411 من القانون التجاري التونسي على أن "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية (غرامة) تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته، على ألا تقل عن عشرين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل من أصدر شيكاً ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه".
ومواد القانون التجاري التونسي المتعلقة بقضايا الشيك بدون رصيد محل نقد من قبل المتعاملين الاقتصاديين الذين يطالبون بتنقيحها، لمنع انهيار المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تكابد من أجل البقاء في ظرف اقتصادي صعب.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أصدر الرئيس قيس سعيد مرسوما يتعلق بـ"العفو العام في جريمة إصدار شيك بدون رصيد"، مشروطا بالإدلاء بما يفيد خلاصها ودفع مصاريف.
ويرى الخبير الاقتصادي خالد النوري أن نظام الاستخلاص عبر الشيكات يحتاج إلى مراجعة شاملة وفق المعايير الدولية، بما يضمن حقوق جميع الأطراف ويحد من مخاطر السجن التي تهدد آلاف المتعاملين الاقتصاديين.
وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة هم أول ضحايا قانون الشيكات "القاسي"، مؤكدا أن اللجوء إلى الشيك كوسيلة دفع عاجلة أو مؤجلة سببه عدم قدرة المتعاملين الاقتصاديين على النفاذ إلى التمويلات البنكية وقروض الاستثمار الميسرة.
وأشار إلى أن الجهاز المصرفي يحرم المؤسسات الاقتصادية من التمويلات من جانب ويثقل كاهلها بخطايا الشيكات غير المستخلصة من جانب آخر. وحذر من مخاطر انهيار النسيج الاقتصادي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة في غياب عناصر الإسناد لهذه الشركات وتواصل ضعف النمو العام، مؤكدا على ضرورة اعتماد حلول الشيك الإلكتروني، وإصلاح نظام الوصول إلى التمويل المنظم ومراجعة اللوائح المتعلقة بالتحويلات والبطاقات المصرفية.
ولم يتضمن قانون المالية للعام الجديد الذي دخلت أحكامه حيز النفاذ يوم 2 يناير/ كانون الثاني الجاري أي إجراءات دعم لفائدة المؤسسات الاقتصادية المتعثرة. في المقابل، قال وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد إن سنة 2023 ستكون صعبة على التونسيين ونسبة النمو العام للاقتصاد لن تتجاوز 1.8%.