السوريات أسيرات الأجر الزهيد: الحرب حوّلتهن إلى معيلات للأسر

08 مارس 2023
المرأة السورية باتت تنافس الرجل في الأعمال الشاقة (محمد سعيد/الأناضول)
+ الخط -

تبدلت خريطة العمل وقواه في سورية بعد سنوات الثورة، وقلبت مفاهيم الإعالة وحتى "القوامة" التي كان يستغلها البعض لإبقاء النساء حبيسات منازلهن، فتصّدرت المرأة السورية مشهد العمل للمساهمة في الإنفاق على الاحتياجات لمعيشية مع الرجل في كثير من الأحيان، مع مواصلة تحملها الأعباء المنزلية.

ودفعت نسبة البطالة التي زادت عن 87% بعموم سورية، حسب تقارير دولية، المرأة إلى الخروج بشكل أكبر للعمل في مختلف القطاعات ومنها أعمال صعبة كانت حكرا على الرجال الذين واجهوا ظروفا صعبة بعد الحرب.

وترى الباحثة السورية، سعاد خبية، أن ساعات عمل المرأة السورية، لا نهاية لها، إذ يصل العمل الفعلي إلى 18 ساعة يوميا دون انقطاع تتشارك بذلك العاملات خارج المنزل وغير العاملات، فاليوم يبدأ لدى معظم السوريات في السادسة صباحا مع تجهيز الأطفال للمدارس، وإيصالهم ومن ثم إعادتهم في ظل وضع اقتصادي ومعيشي ضاغط، ليبدأ ماراثون تدريس الأطفال ومتابعتهم في المنزل بسبب كلفة المدرسين الخصوصيين الباهظة.

وأضافت خلال حديثها لـ"العربي الجديد" أن دور المرأة تعاظم بواقع غياب الرجل، لسبب أو لآخر، فدخل عمل التسوّق بكامله على أجندتها اليومية.

وتضيف أن عمل النساء غير المدفوع بالعادة (المنزلي) ليس رسمياً أو معترفا به، ما يعني عدم الحق بالحصول على إجازة من هذا العمل الموصوف من غيرها بالمقدس. وقالت: لو فكرنا بما تختصره المرأة بعملها المنزلي غير المدفوع، على الزوج من أجور عمالة، فسنكون أمام حسابات عدة، منها أجور التنظيف والطهي والتدريس، ما يمكننا القول بأن عمل المرأة "غير العاملة" يساهم في توفير مبالغ كبيرة من النقود وفي دعم الدورة الاقتصادية الخاصة بالأسرة.
لا تصدر سورية أرقاما وبيانات يمكن الركون إليها لبحث قضية العمل غير المدفوع أو تبيان المرأة العاملة بمكانين، إذ يتوقف الزمن لدى المكتب المركزي للإحصاء بدمشق، عند أعوام الثورة الأولى، وقت يشير إلى أن نسبة النساء العاملات لا تتجاوز 13%. ولكن حسب تصريحات رسمية لمسؤولين مؤخرا، فإن كل سبع نساء عاملات يقابلهن بالعمل رجل واحد، ما جعل من النساء بعد تبدل الخريطة السكانية وقوى العمل، تصبح المنتج الأول والمعيل للأسرة السورية.
تقول المواطنة، تريز حداد، إن تدهور الواقع المعيشي وتراجع الأجور قياساً بمستوى الأسعار، أجبر النساء السوريات على المساعدة بزيادة الدخل، ولو عبر أعمال مجهدة أو غير مناسبة لهن، ما يترك برأيها آثاراً جسدية ونفسية في ظل اضطهاد أو استغلال بعض أرباب العمل للنساء.

وتضيف حداد من العاصمة السورية دمشق، خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن النساء هنّ خيار أصحاب الورش الصغيرة واقتصاد الظل غير المرخص بدمشق، فنرى انخراط النساء بأعمال الدباغة وصناعة الجلديات والمنظفات، قبل أن يدخلن، بالآونة الأخيرة على عمل المكاتب العقارية وتوصيل الطعام، مشيرة إلى أن الحاجة لمواجهة ظروف الحياة، دفعت كثيرات للعمل، ولو بمقابل مادي زهيد بأعمال لا تحتاج خبرة أو شهادة علمية.

وحول أثر العمل خارج المنزل على أدوار المرأة داخله، تضيف خريجة قسم التربية حداد أن العمل الخارجي يضاف إلى المهام المنزلية ولو على حساب وقت وجهد السيدات، لافتة إلى أن كثيرات من النساء السوريات يقمن بتحضير الأطعمة للمطاعم داخل منازلهن أو بأعمال الخياطة والتطريز للمنشآت النسيجية الصغيرة. وتلمّح المواطنة السورية لأشكال عدة من المضايقات والاستغلال المادي والجسدي تتعرض لها النساء العاملات، خاصة مع قلة فرص العمل وقسوة الحياة فقد "بدأت النسوة بدمشق حتى بقيادة سيارات الأجرة بحثاً عن دخل يساعد بمواجهة الغلاء" على حد تعبيرها.

وكان مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة لحكومة النظام السوري، رفض ذكر اسمه، قد قدر نسبة النساء العاملات بمناطق سيطرة الأسد، بنحو 85%، مشيراً خلال تصريح نقله موقع "أثر برس" الشهر الماضي، إلى أن هناك زيادة لافتة في عمالة المرأة في سورية، بسبب هجرة قسم كبير من الذكور إلى خارج البلاد، إذ بات هناك سبع نساء مقابل كل رجل في سوق العمل.
وأضاف المصدر لموقع "أثر برس" المقرب من النظام السوري، أنه نتيجة تزايد النساء في سوق العمل، أصدرت الوزارة في وقت سابق قراراً متعلقاً بنظام تشغيل النساء، والمتضمن الظروف والشروط والأحوال التي يجري فيها تشغيل النساء، إضافةً إلى الحقوق المترتبة على صاحب العمل. أما بيانات الأمم المتحدة في تقرير نشرته عام 2021، فإنها تفيد بأن 22% من الأسر السورية تعيلها نساء، بسبب فقدان كثير من العائلات عائليها من الرجال.
وتكشف السيدة السورية عائشة الشيخ، أنها تلتزم بالعناية بحماها (والد زوجها) المسن، لتضاف رعايته إلى أعمال المنزل المجهدة، من طبخ وتنظيف وملاحقة تعليم الأولاد بواقع التعليم المتردي شمال غربي إدلب. السيدة السورية التي لم تكمل تعليمها الجامعي (أدب إنكليزي) بسبب قيام الثورة تزوجت عام 2013، ولديها ثلاثة أولاد للعناية بهم وحماها.

وحسب قولها لـ"العربي الجديد": بالكاد يكفي دخل زوجها من أجر المياومة بعمل تجاري، لسد احتياجات المنزل ودواء والده، ما يبعد أي فكرة عن خلدها، أن عملها غير مدفوع، بل تتمنى لو أنها تستطيع العمل "بشكل أكبر" لتساعد بأعباء المعيشة، حتى أنها أحياناً تدرّس طلاب مادة الإنكليزي.

وزادت نسبة السيدات السوريات العاملات بعمل مدفوع، إلى جانب عملهن المنزلي شمال غرب سورية، خاصة بقطاع الزراعة وجني المحاصيل، إضافة إلى أعمال خدمية أخرى، خاصة بمدينة إدلب التي زادت فيها الاستثمارات وفرص العمل، بحسب العامل بالشأن الإغاثي من إدلب، محمود عبد الرحمن.

كان مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة لحكومة النظام السوري، رفض ذكر اسمه، قد قدر نسبة النساء العاملات بمناطق سيطرة الأسد، بنحو 85%

 

ويشير عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" إلى أنه بعد الثورة، تكسّرت قيود كثيرة كانت مفروضة على المرأة، وذلك لا ننسبه لتطور أو انفتاح، بقدر ما هو نتيجة حاجة فرضتها الظروف، فعدد الشهداء والمصابين، فرض على النساء العمل بأجر إلى جانب أعمالهن المنزلية ورعاية المسنين ومصابي الحرب "يعني عاملة وربة منزل وممرضة".

ويشير استبيان أصدره فريق "منسقو استجابة سورية" إلى زيادة البطالة بالمناطق المحررة من سيطرة النظام، فنسبة 11% من المستطلعين يعملون، في حين 89% عاطلون من العمل، مبيناً أن فرص العمل لا تأتي مبكرة، فالأصغر سنّاً دون الخامسة والعشرين عاماً، نسبة البطالة بينهم 85%، مقارنة مع من تفوق أعمارهم 35 سنة بنسبة 50%. أما من حيث النوع، فإنّ نسبة العاملين من الرجال 35%، في حين أن نسبة العاملات من النساء 17%.

واختلف حال المرأة السورية المهاجرة، بحسب السورية سهام الصالح المقيمة بألمانيا، لكن العمل المنتج أثر، لا شك، على الأمور المنزلية ورعاية الأولاد، لكن للظروف الجديدة تبعاتها وأثمانها، ولا بد من دفعها كما قالت، لـ"العربي الجديد".

ومن تركيا، أكدت السيدة ميراي عبود، لـ"العربي الجديد" أنها تفرّغت للعمل المنزلي وتعليم أولادها، بعد فصلها، كما زميلاتها، من المدارس التركية، مشيرة إلى أن بعض المعلمات لجأن، جراء الحاجة وعدم وجود معونات للسوريين بتركيا، إلى أعمال عدة، منها أشغال عضلية في "مشاغل خياطة" أو أعمال أخرى منها التعليم عن بعد.

المساهمون